حكومة “الثورة الاجتماعية”.. أخنوش وخطاب تصريف الأزمات!


( الأزمة و الخطاب )

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    في الوقت الذي عاشت ولازالت تعيش فيه عدة قطاعات اجتماعية أزمات غير مسبوقة، شغلت الرأي العام، و ملأت احتجاجات المنتمين لها الشوارع والساحات، وأروقة المؤسسات التي ينتمون لها، حيث تجاوز سنة 2023 عدد التجمعات والتجمهرات السلمية، وفقا للإحصائيات الرسمية 11086 تجمعا وتجمهرا بالشارع العام بمختلف أشكاله وتعبيراته من مسيرات ووقفات احتجاجية، وفي هذا الشأن سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب لنفس السنة، “ارتفاع عدد الاحتجاجات المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، معتبرا ذلك “يعكس التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المواطنين”.

    وعلى الرغم من التقرير الذي أثار موجة من الجدل في المشهد السياسي، الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تحت عنوان “شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين”، والذي رصد فيه وضعية شباب، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، يوجدون خارج نطاق منظومة التعليم والتكوين وسوق الشغل، يبلغ عددهم 1.5 مليون شاب، الأمر الذي يبرز وفق قوله “محدودية السياسات العمومية الرامية لتحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب عموما، ولاسيما بالنسبة لهذه الفئة الهشة”.

    وفي ظل ارتفاع معدل البطالة لسنة 2024، حيث أوضحت المندوبية السامية للتخطيط، أن “معدل البطالة ارتفع، ما بين الفصل الأول من سنة 2023 والفصل نفسه من سنة 2024، بنسبة 0,8 نقطة، منتقلا من 12,9 في المائة إلى 13,7”.

    وحتى مع بقاء المغرب في مرتبة متدنية سواء عربيا أو عالميا، في مؤشر التنمية البشرية خلال سنة 2023\2024، حيث صنف 120 عالميا، بين 193 دولة، مسبوقا بليبيا التي حصلت على الرتبة 92، رغم ما تعرفه من صراع مرير على السلطة.

    قال عزيز أخنوش رئيس الحكومة، خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الخامسة لجامعة شباب الأحرار، المنعقدة مساء الجمعة 13 شتنبر 2014، إن “الحكومة حقَّقت ثورة اجتماعية غير مسبوقة، وجعلت من المغرب أول دولة اجتماعية في القارة الإفريقية”.

    ولعل ضعف التكوين السياسي لعزيز اخنوش، بسبب خلفيته الاقتصادية، وتواضع قدراته التواصلية اللغوية، ولاسيما بالعربية، وعدم اتقانه لآليات الخطاب السياسي، أحد أسباب صيامه الطويل عن الكلام، و أصل خرجاته المثيرة للجدل، الشيء الذي يُؤكده لجوؤه أثناء الحملة الانتخابية، إلى استعمال شركات مختصة، من أجل تسويق شخصيته، وبرنامج حزبه، وكذلك الجدل الذي تخلقه تصريحاته في الاوساط السياسية و المجتمعية، ومنها على سبيل المثال قوله : “المغاربة للي ناقصاه التربية خاصنا نعاودوا ليه التربية ديالو”، وقوله بأن “500 درهم ما سهلاش غدة غاتولي 550 درهم 600 ديال الدرهم، وكاين للي غاتوصل ليه 900 درهم على حسب عدد ديال الأطفال”، مضيفا بأن إحدى الشركات حاولت تشغيل بين 500 و600 عامل…، لكنها لم تتمكن من إيجاد سوى 100 عامل، في إشارة منه إلى أن المواطنين الذين يحصلون على الدعم الاجتماعي المباشر أصبحوا لا يريدون العمل.

    وعند محاولة تتبع تدبير حكومة عزيز أخنوش، لعدة قطاعات لها صلة وثيقة بالمجال الاجتماعي، الذي قال إن حكومته خلقت فيه “ثورة”، نجد وجود مفارقة كبيرة بين خطابه والواقع المعاش، هذا المعطى الذي تأكده تقارير رسمية، صادرة عن مؤسسات ذات اختصاص (المندوبية السامية للتخطيط ، المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، وسنركز فيما سيأتي على قطاع التعليم والصحة، بشكل مقتضب، بسبب أهميتهما البالغة، وتأثيرهما المباشر على حياة المواطنين، ونكتفي بالأرقام الواردة أعلاه، فيما يخص قطاع الشغل، لدلالتها الواضحة على عمق ازمة البطالة، في محاولة لفهم ما وراء تصريحاته، وتأثيرها على الرأي العام.

    أولا: قطاع التعليم

    شهد قطاع التعليم إضرابات واحتقانا غير مسبوقين منذ سنوات طوال، فبينما انطلق الموسم الدراسي 2023\2024 بشكل عادي وطبيعي، إذ فجأة تُصدر الحكومة – بشكل منفرد – مرسوم النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، وهو قانون ينظم عملهم، ويحدد واجباتهم و حقوقهم، وطريقة ترقيتهم، وكل التفاصيل المتعلقة بوظيفتهم، ليلقى رفضا قويا من الأساتذة، حيث رفعوا في وجهه شعار “إسقاط نظام المآسي”، ليدخل القطاع في شلل شبه تام، وحسب المعطيات الرسمية، التي قدمها وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، فإن عدد الأيام التي أضرب فيها الأساتذة عن العمل بلغت، 35 يوما، موزعة على ثلاثة أشهر، مشيرا إلى أن توقفات الدراسة بسبب الإضرابات همّت 50% من التلاميذ.

    وفي تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو”، كشف أن ظاهرة الهدر المدرسي كلفت المغرب خلال الموسم الماضي، ناقص 196 مليون دولار أمريكي، ووفق إحصائيات وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، فإن عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة برسم الموسم الدراسي 2022/2023، قارب 300 ألف تلميذ.

    وفي شأن الدراسة في المناطق التي تضررت من جراء زلزال الثامن من شتنبر 2023، مازالت تعرف عملية ترميم و إعادة بناء المدارس بطئا، وتأخرا كبيرا، بعد مرور سنة كاملة، فوفقا لإعلان الحكومة، نهاية الاجتماع الـ11 للجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من الزلزال، بأن 1.287 مدرسة يُنتظر أن تكون جاهزة بعد انتهاء أشغال التأهيل والبناء قبل بدء الموسم الدراسي 2025/2026، الأمر الذي يعني أن الدراسة في الموسم الحالي ستستمر في أوضاع صعبة، وبأن مسلسل المشاكل التي عان منها تلاميذ تلك المناطق سيتمر، مم يهدد فئة كبيرة منهم بالانقطاع عن الدراسة، ولاسيما الإناث.

    - إشهار -

    ثانيا : قطاع الصحة

    في إطار احتجاجات “التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة”، الذي يضم ثماني نقابات صحية، نفذت هذه الأخيرة إضرابا عن العمل خمسة أيام متواصلة، من الإثنين إلى الجمعة 15 و16 و17 و18 و19 يوليوز 2024، ومن الإثنين إلى الجمعة 22 و23 و24 و25 و26 يوليوز 2024، وهو الأمر الذي تسبب في شلل المستشفيات العمومية، وجاء ذلك على خلفية تفريق مسيرة 10 يوليوز 2024 بالقوة وتوقيف عدد من المتظاهرين ينتمون إلى النقابات المشاركة في المسيرة، بتهمة “التحريض على مقاومة السلطة، والتجمهر غير المرخص”.

    وسبق ذلك مسلسل طويل من الإضرابات والاحتجاجات، أثرت بشكل كبير على فئات كبيرة من المجتمع المغربي، لاسيما مرضى السكري ومرضى الضغط…،بالإضافة إلى حرمان عدد كبير من الأطفال من التلقيحات الدورية.

    الشيء الذي مس بإمكانية استفادة شريحة كبيرة من العلاج، المنصوص عليه في الفصل 31 من دستور 2011 “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: العلاج والعناية الصحية…الخ”، وإن كان هذا الفصل لم يرق بالعلاج والعناية الصحية إلى “حق”، وإنما نص فقط على تعبئة الدولة الوسائل المتعلقة بالعلاج والعناية الصحية في حدود المتاح، وتيسير استفادة المواطنين منها.

    بينما ينص دستور المنظمة العالمية للصحة لسنة 1946 على أن “التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة الأساسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية.

    وعند عقد المقارنة بين الدستور المغربي و ما جاءت به المنظمة الدولية، وغير ذلك من الدساتير المقارنة، ومنها على سبيل المثال دستور جنوب افريقيا، الذي نص في الفصل الثاني المعنون بوثيقة الحقوق، المادة 27 “لكل شخص الحق في الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك رعاية الصحة الإنجابية”، نجد فرقا كبير من ناحية التنصيص الواضح على حق العلاج الذي ضمنته تلك الدساتير لشعوبها، والدستور المغربي الذي نص على مجرد العمل…كما سبق القول.

    وبالعودة لخطاب اخنوش الذي ألقاه أمام جامعة شبيبة الأحرار، في سعي منه للدفاع عن حصيلته الحكومية، ومن خلال تتبع بعض عباراته التي حاول أن يكثف ضمنها جملة من الرسائل، ويسوق بواسطتها سياسيا لشخصه، يمكن أن نخلص إلى عدة استنتاجات من بينها، أن خطابه كان عبارة عن محاولة لتصريف الأزمات الخانقة التي أحاطت وتحيط بحكومته منذ تنصيبها إلى حدود كتابة هذه الأسطر.

    وذلك بالدخول في صراع لفظي مع عبد الإله بنكيران، حيث قال “السياسة أخلاق ومبادئ، وليست خطابات شعبية، أو شتما أو قذفا” وأضاف، “عيب على من كان بالأمس رئيس حكومة ان يتحول لشعبوي ينتج خطابا سياسيا لا يليق بمستوى رئيس حكومة سابق، ويمارس السياسة دون اخلاق سياسية”، ظنا منه أن الدخول في صراع حاد ومباشر مع عبد الإله بنكيران سيشغل الرأي العام، وينسيه القضايا الآنية التي تشغله، في الوقت الذي كان عليه – إذا كان ولابد من الرد على عبد الإله بنكيران- أن يعقد مقارنة بين الأفكار و المنجزات، ويترك للمتلقي استنتاج الخلاصات، وليس مجرد إطلاق التصريحات.

    وفي عبارة أخرى قال أن “حكومته حققت ثورة اجتماعية غير مسبوقة”، مستدلا على ذلك بأرقام منها استفادة 10 ملايين من “التأمين الإجباري عن المرض”، بميزانية بلغت 9 مليار و500 مليون درهم، ومن برنامج “الدعم الاجتماعي المباشر”، الذي مكَّن 3 ملايين و900 ألف أسرة من الاستفادة من مبالغ الدعم الاجتماعي المباشر، كل ذلك من أجل إضفاء الصدقية على خطابه، عبر استعمال لغة الأرقام لما لها من أثر نفسي على المتلقي، مغيبا مدى تأثير تلك الأرقام في الواقع المعاش للمواطنين، ومدى قدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية من صحة وتعليم..، ولو عقد عزيز اخنوش المقارنة بين تأثير التضخم على القدرة الشرائية من جهة وبين تأثير 500 درهم من جهة أخرى، ولو فعل نفس شيء بين تجربة الراميد و “أمو تضامن”، فإنه ما كان ليقول أن حكومته حققت ثورة اجتماعية، حيث أن مبلغ الدعم الهزيل لا يتوافق و الزيادة الصاروخية في الأسعار، و “أمو تضامن” الذي لا يُمكن المستفيدين منه من الولوج المباشر للخدمات الصحية، ويشترط دفع تكاليف العلاج ثم طلب التعويض عنها لاحقا، هذا بغض النظر عن القيمة الهزيلة لذلك التعويض.

    وختاما، في غياب دراسات ميدانية علمية، ترصد تأثير قرارات حكومة عزيز اخنوش في القطاع الاجتماعي، يبقى كلامه أنها خلقت ثورة مجرد خطاب تصريف أزمة، و خرجاته مجرد ظهور حكواتي، ينطبق عليها المثل القائل : “غير جيب يا فم أقول”.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد