الهروب الجماعي اتجاه سبتة المحتلة يعري شعارات الدولة الإجتماعية والنموذج التنموي


الهجرة السرية/العلنية الحالية لـ 15 شتنبر 2024 إعلان عن فشل شعار “الدولة الاجتماعية”، وتعرية لعدم جدية “النموذج التنموي الجديد” للحكومة، حكومة التحكم الحالية، وسابقتها حكومة التمكين اللتين تعدان وجهين لعملة واحدة: عملة تنفيذ أجندة القوى النيوليبرالية ببلدنا ببشاعة وبشكل سيئ للأسف.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    يتعلق الامر بشباب من مختلف المناطق المهمشة والمنسية بالمغرب ( كلميم- سوق الاربعاء- الدار البيضاء – الشمال / الفنيدق) ، الدوافع : الهجرة من أجل الكرامة هروبا من الاستبداد والقمع والفقر والبحث عن فرصة عيش / فرصة عمل.

    شباب مغاربة القاصرين أو من 20 الى 30 سنة وبعض من شباب أفارقة جنوب الصحراء وغيرهم.

    لقد تم التحضير لعملية الهجرة السرية الجماعية التي يمكن وصفها بـ”الهروب الجماعي” عبر مواقع التواصل الإجتماعي، والاعلان عن تنفيذ الهجرة يوم 15 شتنبر 2024 الذي يصادف “اليوم العالمي للديمقراطية” وهذا من الصدف الماكرة التي وسمت هذا الهروب الجماعي.

    فهل يعبر ذلك عن فقدان جماعي للثقة في مآل ومستقبل الديمقراطية بالمغرب؟ وعن إحساس جماعي بالظلم الإجتماعي ببلدنا؟ وعن وعي عام باستئساد وهيمنة تحالف التسلط والفساد كوكلاء محليين للنيولبرالية المتوحشة المتحكمين في العقار والمال وفي السلطة؟

    للوقوف على حجم ما وقع، فإن الأمر يتعلق حسب إحصائيات رسمية بتوقيف 4455 مرشحا للهجرة السرية صوب سبتة المحتلة بمدينة الفنيدق: ضمنهم 3795 مغربيا بالغا، إلى جانب 141 مغربيا قاصرا، بالإضافة إلى 519 أجنبيا، إلى جانب توقيف 70 شخصا محرضا على الهجرة حسب نفس المعطيات.

    تدخل السلطات العمومية المغربية لقي ارتياحا لدى سلطات اسبانيا عبرت عنه بشكل رسمي، والتي أشادت بالتعاون الوثيق بين البلدين.

    وهكذا فإن محاولة الهروب الجماعي كان مسرحها مدينة الفنيدق المغربية والتي عاشت مواجهات ومطاردات بشوارعها مع منع الصحافة من تغطية الأحداث، كما أن المواجهات سبقها استنفار وتأهب أمني مباشرة بعد الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن الرغبة الجماعية في الهجرة لسبتة المحتلة.

    لا بد من التذكير أن هذا الحدث الخطير يأتي في سياق الإحصاء العام للسكان الذي تقوده المندوبية السامية للتخطيط للوقوف كما تزعم على “الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة” و ” رصد المؤشرات التنموية الممكنة لبلادنا”.

    فمندوبة التخطيط التي أعلنت سابقا أن نسبة البطالة في المغرب بلغت % 13,7 في الربع الأول من سنة 2024، وأن عدد العاطلين لحدود الربع الثاني من 2024 بلغ 1.633.000 مواطن عاطل بربوع الوطن. ويتعلق الأمر خاصة بالشباب من 15 الى 24 سنة: حيث ارتفت نسبة البطالة من 33,6 % إلى 36,1 % مقارنة مع سنة 2023.

    أما عن فئة الشباب من 25 الى 34 سنة: فقد ارتفعت نسبة البطالة من 19,8 % إلى 21,4 % مقارنة مع سنة 2023

    كما أن مندوبية التخطيط كشفت عن أرقام رسمية مخيفة بشأن تفشي بطالة الشباب وذوي الشهادات العليا في المغرب. حيث ترتفع البطالة حسب هذه الأرقام في صفوف الشباب حاملي الشهادات ذات المستوى العالي إلى معدل 38,6 %..

    وخلال 2022، بلغت عدد المعطلين لدى السكان في سن النشاط، أي الأشخاص أكثر من 15 سنة، 1,4 مليون عاطل و15,3 مليونا خارج سوق الشغل.

    كما كشفت معطيات مندوبية الإحصاء أن أكثر من نصف النشطين المشتغلين (51,2%) لا يتوفرون على أية شهادة، و10,7% يزاولون عملا موسميا، و12,8% يزاولون شغلا غير مؤدى عنه، و26,5% فقط يستفيدون من التغطية الصحية المرتبطة بالشغل.

    كما تكشف الأرقام أن أكثر من ربع الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة يصنفون ضمن فئة من “لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين”..

    وبالمناسبة فإن مستويات الهدر المدرسي في ارتفاع في قطاع التعليم، حيث أنه و في السنة الدراسية 2023-2024 ، انقطعت الدراسة لمدة تناهز 5 أشهر نتيجة لإضرابات حراك التعليم الذي تم الالتفاف والتآمر عليه. بينما يواجه طلبة كلية الطب والصيدلة سنة بيضاء إلى غاية يومه.. كل ذلك بسبب ارتجالية المسؤولين وغياب حوار اجتماعي حقيقي منتج.

    - إشهار -

    كما أن واقعة الهجرة الجماعية تأتي في سياق الفساد العميق بالدولة والمجتمع الذي تم الكشف عن جزء من مستنقعاته بعد تكشفه في الحقل السياسي لاسيما مع متابعة 34 برلماني من الأحزاب الإدارية ضمنهم أعضاء من الأحزاب “الديمقراطية” للاسف. وهو الأمر الذي عرى واقع الدكاكين السياسية التي تقوم بتزكية بارونات المخدرات والفاسدين وناهبي العقار والثروات الوطنية للإنتخابات وتخون الحراك الاجتماعي ضد الفساد.

    والواقع أن الإستبداد يحمي الفساد، ربيبه وصورته الحقيقية، بدليل اعتقاله وسجنه لمناضلين نزهاء كناصر الزفزافي ومحمد جلول ومحمد الحاكي ونبيل أحمجيق وزكرياء أضهشور وسمير إغيد فاضحي الفساد، وكذلك بدليل التضييق الممنهج على الصحافيين والمجتمع المدني المهتم بحماية المال العام بتقنين منعه من تقديم شكاوى ضد المفسدين وبدليل حادث طمس تقرير مجلس المنافسة المتعلق بالمحروقات، والأدلة لا تحصى.

    وللإشارة فإن مسارات الهجرة غير الشرعية في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2021 تنقسم إلى أربع مسارات وهي:

    الهجرة الداخلية بالقارة الإفريقية: بنسبة تصل لنحو 53٪، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بنحو 21 مليون مهاجر بسبب النزوح الناتج عن الفقر والحروب وكذا فرض التأشيرات بين بلدانها.

    الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي: بنسبة تصل لنحو 28٪، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بنحو 11 مليون مهاجر، تساعد في ذلك وجود ثغور جغرافية محتلة تابعة سياسيا للاتحاد الأوروبي أي سبتة ومليلية المحتلتين، وهو ما يتطلب إزالته في إطار تصفية الاستعمار.

    الهجرة إلى دول الشرق الأوسط، بنسبة تصل إلى 13٪ و إلى أميركا الشمالية بنسبة 6٪.

    هذا، وبالعودة إلى الموقف الرسمي المغربي من الهجرة، الذي يتناقض مع موقف اليسار والمحددات العلمية لهذه الحركية الإجتماعية عبر العالم، فإنه موقف لا يخجل من إعلان دوره كدركي مراقب للحدود مع الاتحاد الأوروبي، تحت تعاليم ميثاق مراكش العالمي بشأن الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية.

    هذا الميثاق يأتي بطبيعة الحال في سياق تنامي نزعة يمينية متطرفة في السياسات الأوروبية للهجرة التي عملت على توظيف هذا الملف كملف إستراتيجي في خطابها السياسي على نحو شعبوي، ويجسد اليمين المتطرف أسوأ ما في التقاليد الأيديولوجية الأوروبية حاليا بميله نحو الأصولية القومية والسلطوية السياسية. كما أن عدم قدرة المهاجرين الأفارقة على الاندماج السلس في البنية الثقافية الاوروبية شجع على تنامي هذه النزعة العنصرية.

    وهكذا فإن المغرب ورغم كونه يعتبر رسميا أن “المقاربة الأمنية البحتة خطأ في التقدير”، فإنه لا يخفي رغبته في لعب دور إقليمي طلائعي في مكافحة شبكات تهريب البشر والمهاجرين، ومناداته بتعزيز الهجرة النظامية كبديل للحد من الهجرة غير النظامية، وهو موقف مصلحي تعززه تواجد أجزاء من الأراضي المغربية تحت الاحتلال الإسباني العضو بالاتحاد الأوروبي. وهو دور مؤدى عنه، إذ خصص له الاتحاد 500 مليون يورو لمواجهة هذه الظاهرة على مدى السنوات الخمسة المقبلة حسب جريدة الباييس.

    وبالفعل فقد تمكن المغرب من توقيف أكثر من 26 ألف مهاجرا إلى أوروبا في النصف الأول من هذه السنة وتفكيك 100 شبكة إجرامية للاتجار بالبشر.

    إن حل مشكلة الهجرة السرية بشكل جاد يتطلب من الاتحاد الاوروبي ومن الولايات المتحدة إعادة النظر في سياساتها الخارجية الامبريالية تجاه دول إفريقيا وفق مقاربة جديدة عادلة تقطع مع الممارسات الاستعمارية الاقتصادية والثقافية فيما يلي:

    – تصفية الاستعمار في مختلف الجيوب بإفريقيا وضمنها احتلال سبتة ومليلية وباقي الجزر المغربية المحتلة.
    – إسقاط الديون الإستنزافية لاقتصاديات الدول الإفريقية والتي ساعدت في خلق بيئة فقر طاردة للشباب الإفريقي.
    – مراجعة الإملاءات والشروط المجحفة للأدرع المالية العالمية والإقليمية في سياسة الاستدانة الإفريقية.
    – القطع مع دعم أنظمة الاستبداد بالدول الافريقية وغيرها المتحكمة في الشعوب واقتصاديات المنطقة.
    – التخفيف من القيود المفروضة على الهجرة النظامية.

    ولن يتأتى ذلك من منظورنا اليساري إلا من خلال بناء المغرب الكبير وتعزيز الوحدة الإفريقية لتكوين قوة تفاوضية ندية للاتحاد الأوروبي وذلك باستغلال التناقضات الراهنة الناتجة عن تشكل أقطاب عالمية جديدة منافسة للتراجع الغربي وانزياح القوة من الغرب إلى الشرق.

    كما أن شعوب إفريقيا مدعوة لتقوية مقاومتها لفلول الاستعمار الجديد في إطار حراك شعبي خلاق يتجاوز الدكاكين السياسية الموروثة عن حقبة الاستعمار.

     

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد