توقيع ديوان الشاعر مخلص الصغير “الأرض الموبوءة”
تنظم المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة طنجة تطوان الحسيمة، وبتعاون مع مسرح رياض السلطان بمدينة طنجة، حفل تقديم وتوقيع ديوان “الأرض الموبوءة” للشاعر مخلص الصغير، يوم الخميس 18 يوليوز الجاري في فضاء رياض السلطان، ابتداء من التاسعة ليلا.
ويقدم ديوان “الأرض الموبوءة” الناقد نجيب العوفي، وهو الباحث الأكثر متابعة للمشهد الأدبي المغربي منذ السبعينيات، بينما يحيي هذا اللقاء الشعري الفنان حمد الله رويشة، في حوار بين آلة الوتر المغربية وأشعار مخلص الصغير، وفي طليعتها قصيدة “المغربي” التي استهل بها الديوان. كما يقدم رويشة الابن تقاسيم وأغنيات ومعزوفات تستلهم التراث الخالد لوالده الراحل محمد رويشة.
واختار الناقد نجيب العوفي لورقته التقديمية عنوان “الأرض الموبوءة/ مرثية الأرض”، سوف يستهلها بتجلية العنوان – العتبة الذي يتقاطع مع عنوان “الأرض الخراب” لإليوت، مع التوقف لدى الرابط والمشترك الدلالي والرمزي بين العنوانين المتباعدين في الزمان والمكان، والمتقاربين في الهاجس والرسالة الشعرية.
كما سيرصد الناقد تيمة الوباء المهيمنة على نصوص الديوان وتجلياتها الاستعارية والمشهدية المتحولة على الأرض والنص، مستخلصا أن “التناص واستدعاء النصوص والرموز الغائبة هو المكون الجمالي والدلالي الذي يسم هذا العمل، بالإضافة إلى مكون اللغة الشعرية الناصعة الجزلة التي تحافظ على “ماء الشعر” في هذه النصوص، حسب العبارة النقدية الكلاسيكية”، يضيف العوفي.
وفي سياق هذه القراءة يتوقف الناقد – الباحث عند محاور شعرية ثلاثة مترابطة ومتآخية تعزف على أوتارها النصوص في نسق سيمفوني – هارموني، وهي تراجيع الأرض الموبوءة، وتراجيع الذات الشاعرة، وتراجيع الأمكنة والأزمنة، خالصا في ختام قراءته إلى أن تيمة الأمل، والعيش على أمل في الأمل، هي التيمة التي تبعث الروح في نصوص “الأرض الموبوءة”، لتقف في خط المواجهة والتصدي لتيمة الوباء والشقاء.
صدر ديوان “الأرض الموبوءة” عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وهو يضم عشرين قصيدة كتبت على مدى عشرين سنة. بينما كتبت القصيدة المركزية في الديوان “الأرض الموبوءة” سنة 2022، في الذكرى المائوية لظهور قصيدة “الأرض الخراب” للشاعر الإنجليزي ت. س إليوت، وهي القصيدة المؤسسة10 للشعر الحديث منذ تلك الفترة الفارقة في تاريخ الإنسانية، عقب الحرب العالمية الأولى. بينما جاءت قصيدة مخلص الصغير ارتباطا بوباء كورونا الذي شكل، هو الآخر، منعطفا كبيرا في تاريخنا الراهن، حيث تستحضر القصائد الأخيرة من الديوان حيرة الإنسان المعاصر وارتباكه الوجودي أمام الفجائع والأوبئة والحروب وتداعياتها على عالم اليوم.
كما كتبت قصائد الديوان ما بين المغرب وإسبانيا، حيث تحضر الأندلس مرجعيةً شعرية وفضاءً حضاريا وثقافيا ملهِما. فالديوان احتفاء شعري بالمكان، أيضا، وهو يترحّل بنا ما بين تطوان ومرتيل والدار البيضاء وإشبيلية وقرطبة وغيرها، مثلما يقودنا إلى مرافقة الإنسان في ملحمته الكبرى على ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي سفره عبر التاريخ والجغرافيا، منذ فترة ما قبل الميلاد. من هنا يعرف الشاعر نفسه في قصائده بأنه مغربي متوسطي وأندلسي وأمازيغي أطلسي… كما يرد ذلك في قصيدة “المغربي”، التي استهل بها ديوانه: “لِي مِفْتَاحُ بَيْتٍ فِي الْأَنْدَلُسْ/ وَقُفْلٌ في طَوْقِ الْمُوَشَّحَاتْ/ أَنَا الْأَنْدَلُسِيُّ. لِي فِي الْعِشْقِ مَذْهَبٌ غَجَرِيُّ/ وَلِي فِي الشَّرْقِ أَسَاطِيرٌ/ وَمُعَلَّقَاتٌ وَشَهْرَزَادٌ/ وَنَبِيُّ…”.
وتجمع الممارسة الشعرية في هذا الديوان بين إيقاعات شعر التفعيلة وإيقاعات قصيدة النثر، إذ يستثمر الشاعر التراكم الموسيقي للقصيدة العربية، من خلال تجربة تسعى في كتابة “السهل الممتع”، على مستوى الصورة، كما تتجاوز ثنائية التفعيلية والنثر على مستوى الإيقاع الشعري، حيث نقرأ في القصيدة نفسها: “أَنَا خَاتَمُ الشُّعَرَاءْ/ وَقَافِيَةُ البَرِّ وَالْبَحْرِ/ أَنَا النَّثْرُ الشِّعْرِيُّ/ وَالشِّعْرُ النَّثْرِيُّ. وَأَنَا لَسْتُ أَنَا/ أَنَا غَيْرِي/ وَلَسْتُ سِوَى شِعْرِي، وَشِعريَ نَثْرِي/ أَنَا الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ… وَالْكِتَابِيُّ”…
هكذا، جاءت قصائد الديوان مأخوذة بمصير العالم على هذه “الأرض الموبوءة”، ونجد في قصيدة “إلى أين؟” بعضا من تلك الأسئلة الشعرية المؤرقة والرؤى القلقة:
“أُمَّةٌ أَمْ بِلَادٌ هُنَا تَحْتَرِقْ
الْمَدَى غَامِضٌ
وَخَيَالِي قَلِقْ.
وَالْوَبَاءُ يُطَارِدُنَا
إِنَّهَا الْبَشَرِيَّةُ
تُوشِكُ أَنْ تَخْتَنِقْ.
لَا مَلَاكَ يُحَلِّقُ فَوْقَ سُطُوحِ الْمَدِينَةِ
لَا حَجَلٌ يَنْطَلِقْ.
فَالسَّمَاءُ مُلَبَّدَةٌ بِالْحُرُوبِ
وَأَحْلَامُنَا فَوْقَنَا
تَحْتَرِقْ… إِنْ بَقِينَا
بِلَا أَمَلٍ فِي الْأَمَلْ
فَلْنَدَعْ هَذِهِ الْأَرْضَ
وَلْنَفْتَرِقْ”.