هل يعيش المغرب فعلا بوادر الجوع والندرة؟
برفعها الدعم عن غاز البوطان، تكون الحكومة المغربية قد أعطت الانطلاقة الرسمية لـ”لدولة الاجتماعية” التي ظلت تبشر بها المغاربة على لسان رئيسها عزيز أخنوش.
وكنا قد تساءلنا في مقال سابق: أين الدولة الاجتماعية التي وعد بها أخنوش؟
السؤال أعلاه كان بمناسبة التقرير البحثي الذي صنف المغاربة كأكثر الشعوب رغبة في الهجرة، وحسب ذات التقرير ذاته فإن 47 في المائة من المغاربة الذين يفكّرون في الهجرة من فئة الشباب، وأن نسبة الحاصلين على تعليم جامعي أو درجة تعليمية أعلى هم الأكثر إقبالا على التفكير في الهجرة.
وأما عن دوافع الهجرة، فقد كشف التقرير أن الأسباب الاقتصادية هي الدافع الأساسي. بالإضافة إلى أسباب البحث عن فرص تعليمية، أو أسباب أمنية. ناهيك عن المغاربة الذين شملهم استطلاع التقرير الذي أبان على أنهم لا يمانعون في القيام بالهجرة بطريقة غير نظامية، إذ أكّد التقرير أن المغرب هو البلد الوحيد الذي قال فيه أكثر من النصف (53 في المائة) أنهم لا يمانعون الهجرة دون توفر الأوراق الرسمية.
والحقيقة أن عزيز أخنوش بدأ منذ تعيينه رئيسا للحكومة، في تطبيق الشعار الذي وعد به الناخبين في حملاته الانتخابية، ألا وهو شعار الدولة الاجتماعية، التي ترتكز -كما قال-على التغطية الصحية، وتكافؤ الفرص في التعليم، وتوفير فرص الشغل لجميع المغاربة. قبل أن يعلن انطلاقتها بشكل رسمي يوم 20 ماي 2024. ففيما يخص المرتكز الأول، فقد أقصت الحكومة بشكل متعمَّد ملايين المواطنين المستضعفين من مجانية الانخراط في التغطية الصحية، وذلك باعتماد معايير وعتبة مجحفة تفرض عليهم الأداء وهم غيرُ قادرين عليه.
وأما بالنسبة للمرتكز الثاني نتساءل: كيف يمكن ضمان تكافؤ الفرص في التعليم دون توافر تكافؤ في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأفراد في المجتمع؟.
وهو شرط أساس لإيجاد تكافؤ في الفرص التعليمية، ومحاربة ظاهرة الهدر المدرسي، لا سيما بين مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي والتعليم الثانوي التأهيلي، إذ تشير الأرقام أن حواليْ 331.000 تلميذ يغادرون المدرسة سنويا، لأسباب عديدة منها الرسوب المدرسي، والصعوبات المرتبطة بالوصول إلى المؤسسات التعليمية، خاصة في المجال القروي، بالإضافة إلى نقائص كبيرة يجب معالجتها.
يقول أحد الباحثين المتخصصين في مجال التربية والتعليم بالغرب: “إن التفاوت وعدم التكافؤ في الفرص التعليمية هي من المظاهر المستشرية في المنظومة التعليمية المغربية، لان التعليم في وطننا يهادن الفقر بدلا من ان يتصدى لمحاربته بالمواجهة المباشرة والشاملة او تضييق الخناق عليه، كما ان نسبة كبيرة من الاطفال الذين ينتمون الى اسر فقيرة هي اصلا تعاني من انتشار الامية في صفوفها مما يزيد من ضعف ممتلكاتهم الرمزية، ويعيق تسلقهم ونجاحهم التعليمي والمهني”.
وأما المرتكز الثالث فله ارتباط بالمرتكز الثاني، حيث أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تقريراً صادماً حول الشباب الذين لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين، أو ما يسمى NEET، إذ أكد التقرير على أنه يوجد واحد من بين كل أربعة شباب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، في وضعية NEET، أي ما يعادل 1.5 مليون فرد (ويقفز هذا العدد إلى نحو 4.3 مليون شاب أعمارهم بين 15 و34 سنة) وفي هذا إهدارٌ خطير لطاقات الشباب. وهو ما ذكرته المندوبية السامية للتخطيط في بيان لها أن معدل البطالة في البلاد ارتفع إلى 13.7 بالمئة خلال الربع الأول من 2024، مقارنة مع 12.9 بالمئة في الفترة نفسها من العام الماضي”. أي أن البطالة في تصاعد مستمر.
إن الأرقام الرسمية التي أشار إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمندوبية السامية للتخطيط تؤكد محدودية سياسات الحكومة في معالجة إشكالية التلاؤم بين هذه المرتكزات الثلاثة التي تحدثنا عنها من قبل.
لقد قلناها ونعيدها ولا نملّ من تكرارها: إن هذه الحكومة التي يقودها كامبرادوري، بعيدة كل البعد عن هموم الشعب، ولا تنصت لأنينه وأوجاعه. لذلك على المغاربة ألا ينتظروا منها خيرا، لأن مهمتها الأساسية هي الدفاع عن مصالحهم الشخصية فقط.
وماذا ننتظر من حكومة يقودها سياسي فشِل في تأمين الحاجيات الفلاحية للمغاربة، من الخضر والفواكه والماشية، عندما كان وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، سوى الفشل؟ وماذا ننتظر من رئيس حكومة ملقّب أيضا بإمبراطور المحروقات، هو أيضا رئيس “مجموعة أكوا ” صاحبة العلامة التجارية “إفريقيا غاز” متّهم مع باقي شركات المحروقات بالتواطؤ لجني أرباح طائلة، سوى حماية ثروته وتنميتها على حساب جيوب المغاربة؟.
فلاش: إن المغرب يعيش بوادر الجوع والندرة. هذا ما نبّه إليه بكل شجاعة وجرأة المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، في حوار له مع صحيفة “ميديا24″، حيث دق ناقوس الخطر، وكشف بالملموس والمعطيات الدقيقة، أن المغرب بصدد الانتقال من مرحلة الخصاص التنموي والتفاوت الطبقي، إلى مرحلة جديدة عنوانها الاندحار الجماعي لجميع الفئات الاجتماعية (باستثناء طبقة الأثرياء التي ينتمي إليها عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية).
السيد أحمد الحليمي أكد في ذات الحوار أن الأزمة التي يعيشها المغرب حاليا ليست عابرة ولا ظرفية، وأن ما يُسمى اليوم تضخما سوف يصبح أمرا واقعا دائما، أي أن مستوى الأسعار الحالية مستمر وليس عابرا، والسبب ليس الأزمات الدولية ولا الجائحة، كما يدّعي أخنوش وحكومته، بل سوء التدبير والتخطيط، هما اللذان قادا إلى تجفيف الموارد المائية التي يزخر بها المغرب، وبالتالي تحويل النموذج الإنتاجي في الفلاحة المغربية إلى مجرد كلام.
إننا أمام إعلان صريح، قام به المندوب السامي للتخطيط، معتمدا فيه على أرقام وإحصاءات دقيقة، مفادها أن تدبير الحكومة الحالية لأمور البلاد مناقض تماما للمصالح الوطنية العليا. والحق أن الأوضاع في المغرب تتفاقم يوما بعد يوم، وأصبحت قابلة للانفجار في أية لحظة وذلك بفعل خلق الأزمات والفتن، وغياب سياسيين وطنيين يضعون مصلحة الوطن فوق مصالحهم الشخصية. اللهم إن السيد أحمد الحليمي قد بلغ اللهم فاشهد.