كيف تستغل فرنسا التوتر المغربي الجزائري لتحقيق مصالحها؟
في ظل التوتر المستمر بين الجزائر والمغرب بات تسلل فرنسا حليف البلدين لافتاً في سياق استغلال الفرص والمساحات الشاغرة لتحقيق مصالح ومكاسب، غير أن التعامل “الذكي” مع مستعمر الأمس وفق تعبير المتابعين وحده من يستطيع منع حدوث اهتزاز التيار مع باريس.
زيارات وتصريحات واستثمارات
يأتي الإعلان عن نية فرنسا المشاركة في مشاريع استثمارية كبرى في الصحراء المغربية، ليكشف عن نيات البلد الأوروبي في التعاطي مع التوتر الحاصل بين البلدين المغاربيين الجارين، على اعتبار أن فرنسا لم تقدم على تصرف مماثل منذ عام 1975، بداية الخلاف بين الجزائر والرباط حول الصحراء، وهو ما أراح الدوائر المغربية وأثار “غضباً” واسعاً لدى الجزائريين.
التلويح الفرنسي بورقة الاستثمار في “الأراضي المتنازع” عليها ليس أولى علامات التقارب الجديد بين باريس والرباط بعد سنوات من التوتر الدبلوماسي بين البلدين، إذ سبق أن أكد وزير الشؤون الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، خلال الزيارة التي قادته إلى المغرب في نهاية فبراير الماضي، دعم فرنسا الواضح والمستمر لمخطط الحكم الذاتي في إقليم الصحراء المغربية الذي اقترحه المغرب في 2007، وقد حرص على التحديد عبر حسابه على منصة “إكس”، أنه مكلف من قبل إيمانويل ماكرون بـ”فتح فصل جديد في العلاقات بين البلدين”.
دفء مغربي وغضب جزائري
نهاية أبريل الماضي كان دافئاً أيضاً بين الرباط وباريس، إذ زار وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، الرباط، وصرح أن المغرب وفرنسا يشرعان في إرساء تعاون جديد يتعلق بالطاقات النظيفة والنقل بواسطة السكك الحديد، مؤكداً استعداد باريس لتمويل بنية تحتية لنقل الكهرباء إلى الدار البيضاء من مدينة الداخلة بالصحراء المغربية، كما تم اقتراح تعاون في مجال الطاقة النووية يشمل مفاعلات صغيرة ومتوسطة الحجم.
كما جرت زيارات فرنسية أخرى لكل من وزراء الداخلية جيرالد دارمانين، والتجارة الخارجية فرانك، والفلاحة مارك فيسنو، واستهدفت سواء التصريحات أو الاتفاقات أو المشاريع إقليم الصحراء المغربية الذي تعتبره الجزائر خطاً أحمر.
ويطرح المغرب التفاوض حول خطته للحكم الذاتي حلاً وحيداً للنزاع، بينما تطالب جبهة البوليساريو باستفتاء لتقرير المصير، فيما تحث الأمم المتحدة الطرفين إلى جانب الجزائر وموريتانيا على استئناف مفاوضات متوقفة منذ عام 2019، لإيجاد حل سياسي متوافق عليه “من دون شروط مسبقة”.
الموقف ليس جديداً
رئيس المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي فرانسوا جيري يرى أن عودة الدفء للعلاقات بين باريس والرباط، وتأكيد موقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية لن يؤثر بصورة كبيرة في علاقات باريس والجزائر على اعتبار أن الموقف ليس جديداً، مشيراً إلى أن المشهد بالكامل ربما يؤكد الحاجة إلى توسط فرنسا بين الجزائر والمغرب ما دام علاقة الثلاثة مرهونة بعضها ببعض تاريخياً وسياسياً وواقعياً. وأشار إلى أن باريس يمكن أن تضطلع بدور وسيط بين الجزائر والرباط.
وشدد جيري على أن فرنسا التي لها علاقات تاريخية بالبلدين الجارين يمكن أن تضطلع بدور جديد بينهما، وهو الوساطة الإيجابية للدفع بهما نحو آفاق جديدة مبنية على التعاون الثنائي والثلاثي وحتى الإقليمي، مبرزاً أن تقارب باريس والرباط لم يتضمن أي صفقة أسلحة حتى يغضب الجزائر، وختم بأن الجزائر حافظت على نوع من العلاقات الجيدة مع باريس على رغم موقفها من ملف الصحراء المغربية منذ عقود، فلماذا يراد لهذا أن يتغير الآن؟
علاقات باطنية
لكن الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية الجزائري عدنان محتالي يرى أن التقارب الفرنسي المغربي في هذا التوقيت بالذات ما هو إلا لعبة سياسية تمارسها باريس مع الجزائر في إطار المفاوضات التي تجري حالياً بين البلدين، لتحديد مكتسبات كل طرف من الزيارة المرتقبة للرئيس تبون التي ينتظرها الجانب الفرنسي بشغف شديد.
وأشار إلى أن علاقة المغرب مع فرنسا أو أية دولة أخرى اليوم يمكن أن تختزل في موقفها من الصحراء المغربية، وهو ما جاء على لسان الملك محمد السادس، حين قال إن الصحراء المغربية هي العدسة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وشدد على أن هذا التقارب هو محاولة الضغط على الطرف الجزائري.
ويواصل محتالي أن فرنسا اليوم فقدت كل أدوات الضغط على الجزائر ولم يبق لها سوى موقفها من مسألة الصحراء وربما موضوع التأشيرات لا غير، موضحاً أن علاقاتها مع المغرب والجزائر غير محسومة، ولا أحد يعرف أين ستتجه المفاوضات التي تسبق زيارة الرئيس تبون إلى باريس، ووصف العلاقات الجزائرية – الفرنسية بالباطنية، بمعنى وجود قنوات اتصال متعددة لكنها ليست مكشوفة، ولا يمكن وصف العلاقات بينهما بالباردة.
علاقات مبادئ موجهة
في المقابل، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية المغربي أحمد نور الدين أن الرباط تبنت علاقاتها مع فرنسا وغيرها انطلاقاً من محددات مرجعية ومبادئ موجهة تصب في تحقيق مصالحه الاستراتيجية، “ولا يهمه بعد ذلك نوع العلاقة التي تربط فرنسا أو غيرها بطرف ثالث إلا في حدود تأثيرها في المصالح الحيوية للمغرب”.
وأضاف أن المغرب لم يحتج يوماً بصورة مباشرة أو رسمية على خيارات فرنسا الدبلوماسية مع أي دولة ثالثة، ما دامت لا تمس المغرب، لأن الأخير قبل كل شيء يحترم نفسه ويعرف معنى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في خياراتها السيادية.
وأبرز نور الدين أن الجزائر وقعت في خطأ قاتل حين احتجت على إسبانيا وسحبت سفيرها وجمدت اتفاقية التعاون والشراكة بسبب الموقف الإسباني من الصحراء المغربية، على رغم أنه موقف سيادي لمدريد لا علاقة له بالجزائر، في الأقل قانونياً ونظرياً.
سياسة تتجاوز البعد الاقتصادي
في السياق، أعلن السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافيي دريانكور، أنه على رغم وجود مصالح اقتصادية فرنسية كبرى في المغرب والزيارات العديدة التي قام بها مسؤولون فرنسيون إلى هذا البلد خلال الأشهر الأخيرة، فإن هذا لا يعني أن باريس ستضع كل بيضها في السلة المغربية، لأن ذلك سيؤدي إلى تدمير العلاقات مع الجزائر.
وأضاف لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في شأن توازن سياسة فرنسا مع المغرب والجزائر، أن “علاقات بلادنا مع هذين البلدين تتجاوز البعد الاقتصادي، وعلى رغم أن فرنسا لديها استثمارات كبيرة في المغرب، فإن هناك أيضاً مسألة الأمن في البحر الأبيض المتوسط وحتى الأمن داخل الأراضي الفرنسية، إضافة إلى قضية الهجرة وملف الذاكرة بالنسبة إلى الجزائر”.
“بارومتر” العلاقات الثنائية
يتخذ متابعون من زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى فرنسا “بارومتر” العلاقات بين البلدين، إذ بات الحديث عنها يرتفع في مناسبات ثم يخفت من دون سابق إنذار تحت تبريرات مختلفة، آخرها إعلان الرئاسة الفرنسية في مارس الماضي أن الرئيس الجزائري سيزور فرنسا بين نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر المقبل، إثر مشاورات هاتفية بين تبون ونظيره الفرنسي ماكرون، وأضافت أن هذه الزيارة التي سبق أن أرجئت مراراً ستجري في موعد يحدد خلال الفترة المذكورة.
وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أكد نهاية 2023 أن ملفات وصفها بـ”الثقيلة” عطلت تنفيذ مشروع الزيارة التي كان يفترض أن تتم في ماي من 2022، حسب اتفاق بين الرئيسين، وهي حرية التنقل والتعاون الاقتصادي، وتبعات التجارب النووية الفرنسية في الصحراء، ومعها قضية أرشيف الثورة.
المصدر: أنديبندت عربية