تعطيل المشاريع التنموية بالدار البيضاء.. “إخلالا بالواجب، وخيانة”
يغادر الملك محمد السادس، اليوم الاثنين 15 أبريل 2024، مدينة الدارالبيضاء، وقد لا أغامر إذا قلت إنه يغادرها وفي نفسه “شيء من الغضب” من منتخبيها الذين لا يريدون أن يفهموا أن التدبير العمومي يحتاج مسؤولين يتفانون في القيام بمهامهم، وليس أولئك الذين همّهم هو البحث عن المنافع والريع وقضاء المصالح الخاصة…
زيارة الجالس على العرش، هذه المرة، للعاصمة الاقتصادية، لها وضع آخر مغاير، فهي تأتي بعد التغيير، الذي أحدثه في الهيكلة الترابية، بتعيين والي جديد، بتعليمات واضحة هي أن تأخذ الإدارة الترابية بزمام الأمور، وهو ما لمسه الملك وهو يتجول بمختلف أحيائها، حين وقف على أن العديد من المشاكل ذات البُعد الترابي الولائي، وفكِّ اليد التي كانت مغلولة لعمّال مقاطعاتها، وجدت طريقها إلى الحلول الناجعة والمنتجة، بعد عدة سنوات عجاف…
لكن المعضلة الكبرى في النخبة المسيرة للمجالس المنتخبة، مازالت مستمرة، بل تزيد في الاستفحال، دون أدنى مراعاة لا لتطلّعات المواطنين، ولا لانتظارات ملك البلاد، الذي يعرف الجميع المكانة الخاصة، التي تتبوّأها الدارالبيضاء في نفسه، إلى درجة أن البيضاويين باتوا معتادين على رؤية الملك يتجوّل على متن سيارته في شوارعها وأزقتها، ويتفقّد عن كثب مآل المشاريع التنموية، التي أطلقها، منذ سنوات، ولم ترى النور بعد.
لقد قضى الملك في هذه المدينة، أغلب أيام رمضان، إذ بقي في العاصمة الإدارية الرباط إلى حين حلول اليوم العاشر من رمضان 1445، لزيارة ضريح جده محمد الخامس، والترحم على روحه… لينتقل، بعد ذلك مباشرة، إلى العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، حيث مكث فيها طوال ما تبقى من أيام رمضان، وأحيى فيها ليلة القدر بمسجد الحسن الثاني، فيما أدى صلاة عيد الفطر المبارك بالمسجد المحمدي بحي الأحباس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، والأمراء مولاي رشيد ومولاي أحمد ومولاي إسماعيل…
خلال مقامه بالدار البيضاء ظلّ الملك محمد السادس، يتجول بسيارته وسط شوارعها وأحيائها… وقد غادر اليوم العاصمة الاقتصادية وهي بوجهين: وجه الإدارة الترابية، التي تغيّرت، وتحرّكت، وحرّكت الكثير من المياه الراكدة، التي تدخل في دائرة اختصاصاتها و أكثر… ووجه ثان مغاير ومتعثّر للمجالس المنتخبة، لن يختلف اثنان في أن مختلف الأوراش، التي تشرف عليها، مازالت معطّلة، أو معرقلة، أو متوقفة، إلى درجة أن الجالس على العرش، رغم كل هذه الفترة، التي قضاها في الدارالبيضاء، لم يدشن فيها سوى مستشفى القرب بحي لساسفة، لكن لم يدشّن ولا مشروعا واحدا من سلسلة المشاريع التنموية، التي يتحمّل مسؤوليتها مسؤولات ومسؤولو المجلس الجماعي للدارالبيضاء، الذين يبدو وكأنهم يتمرّدون على التوجيهات الملكية، ولا يبالون بالتحذيرات القوية، التي أطلقها الملك غيرما مرة في خطابات متعددة، شدّد فيها على أن “أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة”، بل وصل الأمر إلى وصف هذه العراقيل بالخيانة، عندما قال إنه “عندما يقوم مسؤول بتوقيف أو تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي (…)، فهذا ليس فقط إخلالا بالواجب، وإنما هو خيانة”…
لقد تجوّل الملك محمد السادس في العديد من مناطق وساحات وشوارع مدينة الدارالبيضاء، مما جعله يقف بنفسه على مآل الأوراش المفتوحة، وكيف تحوّلت إلى مشاريع متعثّرة، وبالتأكيد ستقدّم سلطات الدارالبيضاء سطات، تقارير مدقّقة عن طبيعة العراقيل المسجلة والمسؤولين المباشرين عنها، خصوصا أن الوالي الجديد، منذ تعيينه في أكتوبر الماضي، وهو يقوم صحبة عمّاله بزيارات تفقدية إلى مختلف الأقاليم والعمالات بالجهة، بالإضافة إلى الوقوف على الملفات العالقة بها، كما أنه حرص، قبل الزيارة الملكية، على عقد الاجتماعات المطولة بخصوص المشاريع المتعثرة داخل نفوذه الترابي، من أجل البحث عن سبل تسريع الخروج من دوامة العراقيل…
عدم جاهزية المشاريع تنم عن غضبة ملكية جديدة قد تكون مناسبة لإجراء وقفة مغايرة، حاسمة وصارمة، لوضع اليد على الأسباب الحقيقية وراء المشاريع المعرقلة والمتعثّرة والمتوقفة، وكذا فرصة لإعمال المبدأ الدستوري، الذي يقرن المسؤولية بالمحاسبة، من خلال فتح تحقيق معمق حول المسؤولين المعرقلين أو المتعثّرين وترتيب الجزاءات الضرورية…