الكتبية.. مسجد شارك في بنائه 3 ملوك ولقبت صومعته بـ”سبّابة مراكش”
أحد المعالم الدينية والتاريخية البارزة بالمغرب، شارك في بنائه 3 ملوك من الدولة الموحدية، يتميز بفرادة في معماره وهندسته. أغلق مؤقتا أواخر 2023 بسبب أعمال الترميم التي خضع لها على إثر الزلزال الذي ضرب المغرب في الثامن من شتنبر 2023، وفتحت أبوابه من جديد أمام المصلين في 16 مارس 2024.
فريد في موقعه وشكله. ووصف شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم المراكشي صومعته بـ”سبابة مراكش”. ويحج إليه في شهر رمضان ما بين 25 و30 ألف مصل، ويرتفع العدد إلى 100 ألف مصل في ليلة الـ27 من رمضان، ويوم ختم القرآن الكريم.
الموقع
يقع مسجد الكتبية -أو جامع الكتبيين كما كان اسمه الأول- بقلب المدينة العتيقة بمراكش، على بعد حوالي 200 متر فقط من ساحة جامع الفنا، أبرز الوجهات السياحية بالمغرب.
يسمى مسجد الكتبية، ويطلق عليه أيضا اسم مسجد الكتبيين لأنه كان في عصوره الأولى محاطا ببائعي الكتب، وكان عددهم حوالي 100 بائع، لكن لم يتبق أي شيء من الدكاكين التي اكتشفت الأبحاث الأركيولوجية وجودها، وكانت تقابل واجهة المسجد الشرقية، وتقع على رصيفي الزقاق المؤدي إلى المسجد.
التأسيس
بناه عبد المؤمن بن علي الكومي، الخليفة الثاني لدولة الموحدين، وأتمه ابنه وخليفته يوسف، ووسعه يعقوب المنصور الموحدي حفيد عبد المؤمن، وزاد 50 ذراعا من كل جهة، وزيّنه بعدة أعمدة جلبها من إسبانيا، وبنى تحته خزان ماء، وأمر بتغطية الجامع بسقف من الرصاص.
ويتكون جامع الكتبية من مسجدين متشابهين وبصومعة واحدة، حيث شيّد المسجد الأول عام 1147م على أنقاض قصر الحجر المرابطي، في حين بني المسجد الثاني عام 1158م.
ورد في كتاب “الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية”، لمؤلف أندلسي من القرن الـ18 أن “الخليفة عبد المؤمن بنى بدار الحجر مسجدا آخر، جمع فيه الجمعة، وشرع في بناء المسجد الجامع وهدم الجامع الذي كان أسفل المدينة، الذي بناه علي بن يوسف بن تاشفين خامس ملوك الدولة المرابطية (توفي عام 1143م).
ولما أكمل بناءه صنع فيه نفقين يدخل من القصر إليهما، ومنهما إلى الجامع لا يطلع عليه أحد، وصنع مقصورة من الخشب لها 6 أضلاع، وكانت تسع أكثر من ألف رجل، وقد تولى صناعتها مهندس من أهل مالقة، يقال له “الحاج يعيش” (توفي عام 1165م).
وحسب الباحثين فإن المسجد الأول قد تقوضت أركانه بينما الثاني هو الذي لا يزال قائما إلى الآن.
ويعزى ذلك إلى أن بناء المسجد الثاني كان من أجل تصحيح اتجاه القبلة، واكتمل في منتصف شعبان من عام 1158م، بعدما شارك في بنائه عدد من المتطوعين من أنصار الموحدين بغية الثواب والأجر.
الهندسة المعمارية
تبلغ مساحة المسجد 5300 متر مربع، وشكله قريب من المستطيل، وقد صمم على شكل حرف “تي”، وهو الشكل الذي كان مفضلا في البناء في عهد الموحدين.
زُيّن الجامع بـ11 قبة، مصنوعة من خشب العرعار، وتعتبر هذه القباب جزءا مهما من العمارة الإسلامية التقليدية. أما بيت الصلاة فيتكون من 17 بلاطا، تنتهي كلها عند بلاط مستعرض يمتد بمحاذاة القبلة، في حين تتميز البلاطات الـ16 بأنها متوازية ومتماثلة من حيث العرض، في حين ينفرد البلاط الأوسط بعرض أكبر، وتحده ركنيات صليبية الشكل وتغطيه أسقف هرمية.
يضم المسجد 7 أساكيب، وبيت الصلاة يمتد بين الصحن والقبلة بدون انقطاع من الشرق إلى الغرب، مغطيا مساحة تقارب 3 آلاف متر مربع.
ويتم الولوج إلى المسجد عبر 8 أبواب جانبية مفتوحة من حائطي الشمال الشرقي والجنوب الغربي تتقابل فيما بينها. ما يوفر عدة مداخل للمصلين للوصول إلى بيت الصلاة بسهولة ويسر.
وبالنسبة للصومعة، تقع في الركن الشمالي من المسجد، ويبلغ ارتفاعها 67 مترا و50 سنتيمترا، وهي أعلى بناية في تاريخها.
يبلغ عرض الصومعة عند القاعدة 12 مترا و80 سنتيمترا، ويصل طول الجامور الذي يحمل التفاحات الثلاث إلى 7 أمتار و80 سنتيمترا في حين يبلغ قطر التفاحة مترين، وتوجد داخل المنارة 7 غرف في غاية الروعة من حيث الهندسة والزخرفة.
ويؤكد المؤرخون أن عبد المؤمن لما أكمل بناء الجامع نقل إليه منبرا عظيما صنع بالأندلس بإتقان شديد، حيث كانت قطعه مصنوعة من عود الصندل باللونين الأحمر والأصفر، وصفائحه من الذهب والفضة. ويبلغ طول المنبر 3.46 أمتار وعرضه 0.87 متر وعلوه 3.86 أمتار به 9 دروج.
وعرفت بناية المسجد عدة إصلاحات وترميمات آخرها عام 2023 بعد تضرره من زلزال الحوز الذي ضرب المغرب، حيث رممته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما رممته من قبل وزارة الثقافة عام 1990.
وفي عام 2016 جهز بألواح شمسية وسخانات مياه تعمل بالطاقة الشمسية في إطار استعمال الطاقات المتجددة.
اهتمام عالمي
اهتم الباحثون بجامع الكتبية، ففي سنة 1923 درس الباحثان الفرنسيان المهتمان بالآثار الإسلامية، هنري باصي وهنري تراس، المسجدين دراسة معمارية وتاريخية، وفي عام 1947 اهتم الباحثون بمجال الحفريات من أجل اكتشاف آثار العهد الموحدي، فتم التوصل إلى البنايات القديمة لحصن يوسف بن تاشفين المكوّن من مسجد للصلاة وقصبة صغيرة وبقايا قصر علي بن يوسف.
وحظي جامع الكتبية الأول بنصيب أوفر من الدراسة على يد الباحثين جاك مونيي وهنري تراس وبمساعدة غاستون دوفردان، وقد توجت جهودهم بكتاب تحت عنوان “الأبحاث الأركولوجية بمراكش”، وفي سنة 1983 أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تقريرا يحتوي على نتائج الدراسة.
وصنفت اليونسكو المسجد في قائمة التراث العالمي عام 1920، ويقول الرحالة الشهير ابن بطوطة إنه مسجد لا مثيل في العالم الإسلامي، كما قال عن مدينة مراكش إن بها “المساجد الضخمة، كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكتبيين، وبها الصومعة الهائلة العجيبة”.
وحسب المؤرخين فإن هذا الجامع بويع به كل من السلطان سيدي محمد بن عبد الله عام 1757م، والسلطان مولاي محمد بن عبد الرحمن عام 1859م، وكلاهما من الدولة العلوية.
المصدر : مواقع إلكترونية + الجزيرة