خيارات مشروع المسطرة الجنائية.. هل ينجح مشروع وزير العدل داخل مؤسسات الصقور ؟


قرأت بانتباه المتابع المنتظر، نشرة الأمانة العامة للحكومة المعلنة لجدول أعمال مجلس الحكومة ليوم الخميس الحادي والعشرين من مارس الجاري، وشدني بنده الأول وهو عرض وزير العدل حول المستجدات الكبرى في مشروع مراجعة قانون المسطرة الجنائية.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    الحدث سياسي وتشريعي ومجتمعي له بال قد يجعل من يوم 21 مارس تاريخا ينهي ترقب المهنيين المهتمين وينهي تردد وكسل السياسيين و حساباتهم الصفراء الضيقة الآفاق، بعد انتظار ممل وملغوم اجج صراعات بين أطراف حكومية وبرلمانية منذ عهد السيد بنكيران ووزيره في العدل مرورا بالوزراء بعده إلى اليوم، أي لما يزيد عن عشر سنوات عن نهاية أشغال الهيئة العليا لإصلاح القضاء و العدالة، وعن طرح مشاريع و مسودات المسطرة الجنائية التي سقطت بفعل ضعفها العام، و تراجعها وتناقض بنيانها و خياراتها، و الانتقادات التي كشفت عيوبها ، بل خطورة العديد من عناوينها ومضامينها التي اختلط فيها الأمني والحقوقي، والأصولي المحافظ بالكوني.

    والدعاء اليوم المكفن بالرجاء، هو ألا يكون مصير المشروع الذي وصل لمكتب مجلس الحكومة اليوم، كمصير سابقيه، و الا يظل الخبر إعلانا كأكذوبة أبريل التي يتداولها الصغار للترفيه او للتسلية ، وارجو كذلك ألا يُدرج المشروع بمجلس الحكومة ليختفي لسنوات مقبلة بسبب حسابات ايديولوجية وسياسية جديدة تُضَيِعُ على المغرب فرصة الخروج من المآزق و الإنتقادات بمناسبة المحاكمات، ويضيع على المغاربة حقهم في نص قانوني مسطري غني بالضمانات وله دور كبير في رفع تحديات دولة يسود فيها القانون وتسمو فيها العدالة وتضمن فيها حقوق المتقاضين وتتوقف صور العبث بها، وتزدهر القرارات والأحكام القضائية المنصفة والعادلة الصادرة بقناعات قضائية مستقلة لا يصلها لا ضغط ولا تعليمات و لا تشعر بالخوف.

    و المنتظر أن يأتي مشروع المسطرة الجنائية من قبل وزير يعرفها وتعرفه و خَبرها مهنيا وخَبرته، مشروع مسطرة يعيد للسياسة الجنائية حَكَامتها و أبعادها المجتمعية والحقوقية ودورها التربوي و الثقافي، و تسمو بمستجداتها حسب عنوان المشروع الرئيسي، عن مواقع الخلل و الفشل المزمن بإبداع حلول مسطرية حقيقية تتوقف معها التداعيات وتنمحي التجاوزات التي تسيء للعدالة الجنائية في مجال قرينة البراءة، و مجال تعزيز مكانة الحرية، ومكانة حقوق الدفاع، وتعيد معادلة لأسباب و مدد الحراسة النظرية وممارستها، ووضع الاعتقال الاحتياطي في إطار فلسفة حمائية مقيدة بالاسباب و بالمدد بعيدة عن ثقافة التخويف و وظيفة العقاب قبل المحاكمة وخيار ضرب الحرية قبل الحكم والادانة ، وابراز عضلات السلطة والبحث عن الهيبة المفتعلة.

    وحتى تبقى هذه الورقة في إطار عرض ” المستجدات الكبرى لمشروع قانون المسطرة الجنائية ” التي سيتقدم به وزير العدل يومه الخميس أمام الحكومة في اجتماعها الرسمي، فانني اعتقد انه من المفيد أن تتضمن المستجدات اختيارات شجاعة لا حساب سياسية أو حزبية ضيقة فيها، ولا تأويلات متطرفة تضعف من محتوياتها ومن دلالاتها، مستجدات لا تنطلق سوى من مرجعية أساسية ومحورية وهي ” المسطرة الجنائية، سلاح أمن للمجتمع، وليس عصا قمع بيد الدولة ” .

    وأما المستجدات الكبرى لمشروع المسطرة الجنائية لمغرب المستقبل و لمستقبل المغاربة ، فهو من يُؤَسسُ في اعتقادي على خيارات استراتيجية ، منها :

    أولا: تقوية قرينة البراءة وحماية الحق في الحياة: بالتنصيص على قاعدة عامة تمنع الاعتقال الاحتياطي قبل المحاكمة و قبل صيرورة الحكم نهائيا ، و تمنع اعتقال النساء احتياطيا قبل صدور حكم نهائي في حقهن، وتمنع اعتقال الأطفال واليافعين دون 21 سنة، وتفرض تسجيل كل إجراءات الاستنطاق والتوقيع على المحاضر في القضايا الجنائية والعنف ضد النساء والأطفال مع الحق في مشاهدة التسجيلات بالجلسة حضوريا، وإلغاء عقوبة الإعدام نهائيا، وتقليص الحد الأعلى للعقوبة في 25 سنة.

    ثانيا: تعزيز حماية الحرية : بتصور جديد لسلاح الحراسة النظرية: بمنع الحراسة من دون الحصول على إذن مكتوب مسبق من النيابة العامة ، وتقليصها في الجنح لأربع وعشرين ساعة والجنايات لثمان وأربعين ساعة، إطلاق سراح الشخص طالب النقض بمجرد انتهاء العقوبة، عدم ربط الإفراج المؤقت بموافقة النيابة العامة، منع الغرفة الجنحية سحب قرار الإفراج بعد منحه،

    - إشهار -

    ثالثا : تعزيز حماية الحرية بمراجعة أسس وفلسفة الاعتقال الاحتياطي: بمنع أي اعتقال احتياطي عامة قبل صدور حكم نهائي ومنعه في الجنح، وتحديد أسبابه الدقيقة غير القابلة للتأويل أو لاستعمال السلطة التقديرية لشخص أو لجهة في الجنايات، وتقليص مدته أمام قاضي التحقيق لما لا زيد عن أسبوع في الجنح غير قابلة للتجديد، وشهر في الجنايات غير قابل للتجديد، وجعل قرار الاعتقال الاحتياطي و الإيداع قابلا للطعن.

    رابعا: تقوية مكانة الحق في الدفاع: بحق المتهم الاستفادة من زيارة المحامي خلال الحراسة النظرية دون حواجز ولا قيود من النيابة العامة أو من قاضي التحقيق ومن بداية ساعة الاعتقال، بجعل حضور المحامي إلزاميا أمام المحاكم الجنحية والجنائية والتأديبية، و فرض جزاء عن كل إجراء مخالف له يبطل المسطرة وما ترتب عنها، إقرار حق الشخص المحروس في حضور المحامي وجعله إلزاميا من لحظة بداية الحراسة النظرية لساعة قراءة وتوقيع المحضر، وفرض حضور مترجم محلف مسجل باللائحة بجانب كل شخص ممن لا يفهم أو يكتب أو كل من لا يحسن اللغة العربية أو الأمازيغية أو الحسانية، ومنع قيام الضابطة القضائية بمهمة الترجمة ضد أو لفائدة كل شخص يوجد بمرحلة البحث التمهيدي سواء كان بالحراسة النظرية أم حرا ، إقرار الحق في الدفاع وحق المحامي في المرافعة في حالة غياب الشخص المشتبه فيه أمام المحكمة، فرض تقديم عريضة النقض الموقعة من المحامي في القضايا الجنائية مثلها مثل القضايا الجنحية، الحق في عرض سجل الحراسة الممسوك من الضابطة بالجلسة أمام المحكمة بطلب أطراف الدعوى، فتح إمكانية الطعن في إذن الرئيس الأول للوكيل العام بالتقاط المكالمات وتسجيلها، إقرار حق المحامي حضور جلسات التحقيق و استنطاقات كل الأطراف في الملف بما في ذلك حضور الاستماع للشهود والخبراء ،

    خامسا: فرض ضرورة حضور المحامي ساعة التقديم أمام وكيل الملك أو الوكيل العام دون أن يكون لهما الاختيار في استنطاق الشخص المعني في غيابه.

    سادسا: إقرار المساواة في الاسلحة بين أطراف الدعوى، من خلال حق المتهم أخذ صورة من ملف التحقيق نفسه أو بواسطة المحامي دون قيد، حقه في الاطلاع على الملف بكتابة الضبط كلما رغب في ذلك مثله مثل النيابة العامة مع الالتزام بالحفاظ على السرية، المساواة في آجال الطعون بين المتهم والنيابة العامة، رفع آجال الطعون، الإنهاء مع التميز والامتياز في المسطرة خصوصا بالنسبة للامتيازات موظفي الداخلية من قياد وعمال وشيوخ….

    وفي النهاية، فإن محاربة الجريمة والتقيد بمقومات المحاكمة العادلة وحقوق الانسان ثنائية لازمة لإحترام المشروعية، ولا مشروعية إن لم يتم التقيد بأسس السياسة الجنائية حسب عناصرها المقترحة أعلاه، وكل إغفال سنحاسب عليه كلنا، من محامين وقضاة ومؤسسات قضائية وأمنية وحكومية ودستورية كمقصرين في بناء منظومة قوية لعدالة جنائية يستحقها الوطن والمواطنون.

    الرباط: 21 مارس 2024

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد