نصف سنة على الزلزال…البقاء في الخيمة إلى متى؟
في الثامن من شتنبر 2023 بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً بقليل اهتزت الأرض بشكل جعل الناس في جميع أنحاء البلاد يشعرون بالهزة. وأسفر الزلزال عن وفاة نحو 3000 شخص وجرح أكثر من 6000 آخرين.
وفي المناطق المتضررة بالقرب من مركز الهزة وسط جبال الأطلس مازال الدمار ماثلاً حتى اليوم. وليس بإمكان الكثيرين العودة إلى منازلهم لأنها دمرت عن آخرها أو على الأقل تصدعت جدرانها. والبعض منهم غادر المنطقة ونزحوا إلى ذويهم في المدن الكبرى، لكن الغالبية تعيش داخل خيم. ووعدت السلطات الحكومية بتقديم المساعدة إلا أن إعادة البناء تسير ببطء شديد.
“فيلم رعب”
ويصعب تحمل الحياة عقب الزلزال وهذا يتضح بعد دقائق من السير بالسيارة حيث تصطف خيمة بجانب الأخرى والمنازل منهارة. في قرية “واداكر” التقينا بالشاب محمد حموش. وهو رجل هادئ يلبس قميصاً أسود، ويحكي بصوت خافت عن ليلة الثامن من شتنبر ويقول: “بالتحديد في الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق اهتزت الأرض وكنت وصلت للتو مع زوجتي وطفلي الاثنين إلى البيت. في البداية وقع ضجيج لا يمكن لي أن أصفه، ومن ثم تحول الضجيج إلى اهتزاز وأخذ البيت بالتمايل. كان هول الفاجعة اسوا من فيلم رعب”.
تقع قرية “واداكر” في مركز الزلزال في أعالي الأطلس، بمنطقة أمزميز في إقليم الحوز. المنظر جميل، والهواء نقي، وورود صفراء تتفتح. لكن حالة الدمار تبدو جلية في القرية بعد مرور نصف سنة على الكارثة. الحجارة الكبيرة الحجم تقطع الطرقات، وفي المواقع التي كانت بها بيوت لم تعد اليوم إلا ركاماً من الحجارة. بعض الأطفال يلعبون كرة القدم وسط الأنقاض. وعندما نسير عبر القرية نصل إلى قطعة أرض تصطف فيها خيم بيضاء. إنه مخيم لمنكوبي الزلزال.
مخيم وبارقة أمل
في المخيم هناك مراحيض وخيمة للعب الأطفال ويحصل المرضى منهم على الأدوية.
واستقرت 48 عائلة بعد الزلزال في هذا المخيم الذي ما يزال يحتضن 32 عائلة بينها عائلة محمد حموش الذي فضل البقاء هنا. ويبدو محمد مرهقاً، وهو يأمل في الحصول على دعم أكبر من الحكومة المغربية، ويقول :” كل عائلة تحصل على 2500 درهم كمساعدة من الحكومة. وهناك عائلات حصلت على نحو 20.000 درهم لإعادة بناء بيوتها. لكن العملية توقفت. وبيتي من المتوقع أن يتم هدمه، لكن دوري لم يأت بعد ولم أر أي شيء من 20.000 درهم”.
قرية سيدي حساين دمرها الزلزال بمنطقة أمزميز في إقليم الحوز بالأطلس الكبيرقرية سيدي حساين دمرها الزلزال بمنطقة أمزميز في إقليم الحوز بالأطلس الكبير
وقامت الحكومة ببناء بعض المدارس من الحاويات. وأمام مركز توزيع الغذاء والمراحيض المشتركة يقف الناس طويلا في طوابير، حتى بعد مرور ستة أشهر على الزلزال.
وكما هو الحال في قرية واداكر فإن الكثير من المواقع من جبال الأطلس تشكو نفس الوضع: فالزلزال أثر على 8000 قرية في المنطقة وإحدى هذه القرى هي تانسغارت التابعة إداريا لجماعة أسنيالتي بإقليم الحوز، وتبعد بحوالي 50 كيلومترا جنوب مراكش. الدمار في كل مكان في القرية. نلتقي بشابة تضع حجاباً أسود اللون تعتني بعشرات الأطفال الصغار واسمها إكرام.
تصدعت جدران بيت إكرام أحولي، الطيني وتناثر الدمار حوله. ووسط الأنقاض يقف حمار يأكل التبن. بقي هذا الحمار بعد الزلزال أربعة أيام وسط ركام الحجارة إلى حين أن أغاثته العائلة مع البقرة التي أنجبت عجلاً بعد شهرين من وقوع الزلزال ـ بارقة أمل للعائلة.
لكن الحياة تبقى صعبة في القرية، كما تؤكد إكرام: “يجب علي الاعتناء بالعديد من الأشخاص هنا وتشجيعهم. عائلتي، ووالدتي، والكبار، والصغار، في القرية. ليس لدي الوقت للحديث عن نفسي، وأمضي قدماً وأحاول بث الروح الإيجابية في نفوس الآخرين حتى نتمكن جميعاً من تجاوز هذه المحنة”.
لا تقي من الحر والبرد
ويعيش نحو 300 شخص في قرية تانسغارت، وقضى تسعة منهم بالزلزال. جار عائلة إكرام، محمد مسمار، يخبرنا عن معاناتهم اليومية: “إنه وضع كارثي أكان ذلك في الصيف أم في الشتاء. في الصيف ليس بمقدورك البقاء طوال الوقت داخل الخيمة لأنها ساخنة، وفي الشتاء يعم البرد القارس بحيث لا يكفي الغطاء للتدفئة. وعندما يهطل المطر يتبلل كل ما لديك”.
محمد مسمار البالغ من العمر 42 عاما ولديه ثلاثة أطفال يشتغل كعامل أجرة يومي في مراكش القريبة، وأوضح بأن السلطات ليس لها دراية بواقع حياة الناس في المنطقة المنكوبة.
ويقول إن حجم المساعدة الحكومية يبقى ضئيلاً، كما يشير إلى ذلك محمد مسمار بقوله: “المساعدة غير كافية وهي تصل إلى نحو 80.000 درهم للعوائل المتضررة و 140.000 درهم للبيوت المدمرة بالكامل، هذا غير كاف بالمرة”.
يتم دفع المبلغ فقط على أقساط، أي حوالي 20.000 درهم للقسط، إذا قمت بتكليف المهندسين المعماريين والمهندسين الإنشائيين. هذه هي المرحلة الأولى.
أما منزل محمد مسمار فهو متشقق في كل جدرانه. لذلك فهو يفضل الحصول على حوالي 80.000 درهم دفعة واحدة. ومع وجود حوالي 50 ألف منزل لحقت بها أضرار جسيمة أو دمرت بالكامل، فإنه يخشى أن ينتظر لفترة طويلة قبل بدء أعمال البناء.
وبعد مرور دقائق داخل الخيمة بدأنا نشعر بالحرارة، وبالتالي تذوقنا بعض معاناة العائلات التي تعيش هنا. تجلس إكرام ووالدتها خديجة والابن عزيز والجار محمد مسمار حول طاولة عريضة بيضاء يأكلون البرتقال ويشربون الشاي.
وجهنا لهم السؤال لماذا لا يرحلون من هنا؟ إلى مراكش مثلاً؟ بدا الجمع وكأنه لم يفهم السؤال. وكأن لسان حالهم يقول: “هجرة البيت فكرة مرفوضة تماماً، وليحصل ما يحصل”.
المصدر: DW الألمانية