هل تعود العلاقات بين المغرب وفرنسا لسابق عهدها؟
بعد سنوات من الجفاء الدبلوماسي، أكد وزيرا خارجية المغرب ناصر بوريطة وفرنسا ستيفان سيجورنيه الإثنين في العاصمة الرباط عزم بلديهما على طي صفحة أزمة دبلوماسية طبعت علاقاتهما خلال الأعوام الأخيرة، والسير قدما نحو إقامة شراكة “استثنائية” متجددة على أساس “الاحترام المتبادل”.
بدأت مؤشرات عودة الود بنشر صور لزيارة أخوات الملك محمد السادس لباريس ولقائهن السيدة الفرنسية الأولى ببريجيت ماكرون في قصر الإليزيه.
في الرباط، قال ستيفان سيجورنيه إثر مباحثات أجراها مع نظيره المغربي إن “هناك رابطا استثنائيا بين فرنسا والمغرب، والرئيس (إيمانويل ماكرون) يريد لهذا الرابط أن يظل فريدا من نوعه ويتعمق أكثر خلال الأشهر المقبلة”.
في المقابل، أكد بوريطة أن علاقة البلدين “قوية”، لكنه اعتبر أنها “يجب أن تتجدد وتتطور وفق مبادئ الاحترام المتبادل والطموح والتنسيق، وعلاقات دولة لدولة”.
ويمكن القول إن “العصر الذهبي” للعلاقات بين باريس والرباط كان خلال حقبة الملك الراحل الحسن الثاني الذي وصف الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان بأنه صديق مقرب. كما أوصى الحسن الثاني الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بالاعتناء بابنه الملك الحالي محمد السادس عندما يتسلم السلطة بعد وفاته. لكن العلاقات تدهورت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى درجة إرجاء زيارة مقررة لماكرون في 2022 للمملكة عدة مرات وتصريح السلطات المغربية في سبتمبر 2023 بأنها “ليست على جدول الأعمال”.
الصحراء والتطلعات المغربية من فرنسا
الخلافات الفرنسية المغربية بدأت بعد إعلان الولايات المتحدة أواخر العام 2020 اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، في مقابل تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، ما جعل المغرب يضغط على حلفائه الغربيين بما فيهم باريس من أجل اتخاذ خطوات مماثلة.
كما تعكرت العلاقات بعد اتهامات من أوساط إعلامية وسياسية فرنسية للرباط بالتجسس على مسؤولين رفيعين بينهم الرئيس إيمانويل ماكرون في إطار قضية ”برنامج التجسس بيغاسوس” في وسط سنة 2021 وهي اتهامات نفتها بشدة السلطات المغربية.
وتزامن ذلك أيضا مع سعي ماكرون إلى التقارب مع الجزائر، في حين قطعت الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021.
وكان العاهل المغربي قال في غشت 2022 “ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل” مضيفا “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
وخلال الزيارة، جدد الوزير الفرنسي دعم باريس “الواضح والمستمر” لمقترح المغرب بمنح الحكم الذاتي للصحراء. وقال سيجورنيه: “نعرف إنه رهان وجودي بالنسبة للمغرب”.
هنا تقول، خديجة محسن فينان الدكتورة في العلوم السياسية والباحثة في العلاقات الدولية في جامعة باريس1 بأن هذا الموقف ليس جديدا ولا يلبي تطلعات الرباط: “أعتقد أن العلاقات ستعود لسابق عهدها في حال تماهى الموقف الفرنسي مع نظيره الأمريكي بشأن الصحراء، لكن تصريح سيجورينه يتحدث عن الشرعية الدولية بشأن الصحراء. صحيح أن هناك تقدما في العلاقات بين البلدين في ملفات على غرار قضية بيغاسوس وملف التأشيرات الفرنسية. لكن التطلع الرئيسي للمغرب بشأن الصحراء من فرنسا لم يحصل”.
من جهته، يتحدث الدكتور محمد بودن رئيس “مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية” في المغرب عن تغير طفيف في موقف باريس ويقول: “يمكن العثور في تصريح سيجورنيه على فرق أو تعديل دقيق يتعلق بما يمكن تسميته اعترافا فرنسيا ثقافيا واقتصاديا “بسيادة المغرب على صحرائه” من خلال الحديث عن إنشاء مدرستين في الداخلة والعيون بالإضافة إلى عمل المعهد الفرنسي والرغبة في مواكبة الأنشطة الاقتصادية”.
لكن بودن يؤكد أيضا أن “فرنسا ظلت وفية للخط التقليدي بدعم مبادرة الحكم الذاتي منذ 17 عاما بالصيغة نفسها، وموقفها لا يرقى لمواقف الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا ويضفي نوعا من “الغموض الاستراتيجي” الذي ربما يرتبط بمصالح فرنسا مع أطراف ثالثة في المنطقة.
أي مستقبل للعلاقات الاقتصادية؟
في المجال الاقتصادي، أشار سيجورنيه إلى أن فرنسا اقترحت إقامة شراكة للثلاثين عاما المقبلة مع المغرب مؤكدا أن بلاده تريد “مواكبة التنمية” في المنطقة، قائلا “المغرب استثمر كثيرا في مشاريع التنمية لصالح السكان المحليين وفيما يخص التعليم والطاقات المتجددة والسياحة والاقتصاد الأزرق (الصيد البحري)”
في هذا الصدد، يذكر بودن أن المغرب هو الشريك التجاري الثاني لفرنسا في أفريقيا والشرق الأوسط مضيفا “أن استكشاف مجالات جديدة للتعاون في ميادين الصناعة والطاقات المتجددة والشراكات الثلاثية عوامل من شأنها تعزيز الروابط الاقتصادية القوية بين البلدين.
وتذكر فينان من جهتها بأن فرنسا فقدت صفتها كشريك اقتصادي أول للمغرب لصالح إسبانيا في سنة 2022: ” أعتقد أن فرنسا ستتبنى سياسة المراحل لاستعادة مكانتها التجارية في المغرب”.
هل من تعاون في القضايا الإقليمية؟
إقليميا، أشار سيجورنيه إلى أنه بحث مع بوريطة أيضا “كيفية العمل بشكل منسق في القارة الأفريقية خصوصا في منطقة الساحل، باعتبارنا شريكين لهما مصالح متقاربة في هذه المناطق “.
وتقدر فينان أن ” باريس أخطأت عندما اعتقدت أن الجزائر هي الأكثر نفوذا في منطقة الساحل، فذلك كان قبل سلسلة الانقلابات العام الماضي في دول المنطقة. فالمغرب يملك امتدادا روحيا- دينيا وثقافيا قديما لدى بعض قبائل المنطقة في حقبة السلطنة المغربية (السلطنة الشريفة). وبعثت المملكة في السنوات الأخيرة روحا جديدة في هذه العلاقات فيما يعرف بالقوة الناعمة. واستفادت من علاقاتها مع إسرائيل التي تملك روابط جيدة مع عدد من دول الساحل”.
بدوره، يشدد بودن على أن “التنسيق المغربي – الفرنسي سيشمل فضاءات جيوسياسية أفريقية بما في ذلك الواجهة الأطلسية والساحل في إطار معادلة ثلاثية ترتكز على التنمية والسلام والاستقرار”.
في المحصلة، بعثت زيارة سيجورنيه للرباط برسائل تهدئة وتجديد ثقة بين البلدين على الرغم من أن بعض الأسئلة ما زالت بانتظار أجوبة قد تحملها الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين خلال الأشهر المقبلة.
المصدر: فرانس 24