الإتحاد الاشتراكي 2021: من بيْع الفكرة الاتحادية إلى بَيْع التزكية الانتخابية!


“إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ “. الآية (37) من سورة ق.

قبل نَحْوِ عشر سنوات قام الشعب المغربي بالمصادقة على ميثاق التحول الديموقراطي الكبير، وكان هذا العهد الدستوري بمثابة بَارقَة أمل عند الملايين من الشباب المغربي في بزوغ فجر الحرية والديموقراطية داخل المنظومة الحزبية المُسْتَبِدَّة.

إلاَّ أنه بعد مرور ما يقارب عُشَريَّةً كامِلَة لازال تيار ولاد الشعب داخل تنظيم الاتحاد الاشتراكي مُقَيَّدًا بسَلاسِل العائِلوقْرَاطيّة وأصفادِ الإقصاء والتمييز. نعم؛ بعد مرور نَحْو عَشْر سَنِينَ، ها نحن ولاد الشعب نمارس السياسة وسط جزيرة من المَنْع المُمَنْهَج، وسط تَغَوُّل مشين لتيار التسلط التنظيمي الذي يتَزَعَّمُه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر ونَديمه الحبيب المالكي.

بعد مرور قُرَابَة عشَرة أعوامٍ يستمر تيار ولاد الشعب مُحاصَرًا داخل زاوية ضيقة الأفق ومحدودة العقول وقاصِرَة الرُّشْد تمنع الاستعاضة عن حزب الفرد بحزب المؤسسات. بل.. إني لَجَازِمٌ بتوجيه القول السديد لكلّ منْ لهُ قلبٌ أو أَلقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهيد، أن المدعو إدريس لشكر ونديمه الحبيب، ومع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، قد بَاتا يمارسان جميع أنواع الضلالة السياسية ويَنْتَهِجَان جميع أساليب الاسترزاق الديكتاتوري بِهَدم المؤسسات الحزبية الجهوية، والتّحايُل على اختصاصاتها الموكولة إليها حصريًا قصدَ المتاجرة في التزكيات الانتخابية وشراء الذمم الذليلة. كل ذلك بغرض تَغْلِيبِ العدد الانتخابي الصُّوري وضمان التطبيع التام مع حكامةٍ داخلية جاهلةٍ على الحقوق والحريات، مانعةٍ للمشاركة السياسية الدستورية السليمة، رافضَةٍ لتخليق الحياة السياسية العامة.

إن رسالة ولاد الشعب لا تُعيد توْصيفَ مَاخُورٍ حزبي مُخْجِل، بل هدف الرسالة تجديدٌ لِعَهد الأحرار الأحياء من أجل استكمال مسيرة النضال الديمقراطي بالاستعاضة التقنية. فعندما سُطِّرَت مفردات أحكام الدستور، فهي بذلك صيغت على شكل صَكِّ تَعهُّدٍ قانوني يضمن حقوق وواجبات كل مغربية ومغربي في المشاركة السياسية المُنتِجة. وهو ذات الصكِّ عهدٌ مكتوب لكل الشباب بأن يضمن حقهم الثابت في الحياة والحرية والكرامة والديموقراطية التشاركية داخل المنظومة الحزبية.

واليوم.. يبدو جليًّا أن القيادات المسؤولة على تَسْيِّيج حِزب الاتحاد الاشتراكي طيلة العشرية السوداء، قد تنَصَّلَت من واجب الوفاء بعهودها الدستورية، وانْزاحَت عن ملاءمة الممارسة الحزبية الداخلية والسلوك التنظيمي مع أحكام الدستور والقانون المنظم للأحزاب، باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة في تكريس قيم الديموقراطية السليمة داخل المنظومة الحزبية المُتَخَلِّفَة بالمغرب.

هكذا كان.. وعوض أن تحترم القيادة الحالية لحزب الاتحاد الاشتراكي أحكام الميثاق الأسمى للأمة المغربية، سارعت إلى تبني طُولِيطَارية القمع والاضطهاد الجسدي والمعنوي. فَباعَت لمجموع الاتحاديات والاتحاديين وَهْمَ الانبعاث الفاشلِ. ثم اكْتَمَلَت أركان جريمة النصب والاحتيال السياسوي بمنح شيكٍ مُسطرٍ دون مؤونة حقوقية كافية. وها هي الحقيقة ترفض التصديق بأن هناك نقصا في رصيد الاختيارات العديدة لهذا الحزب التاريخي العتيد.

إن رسالة تيار ولاد الشعب تطالب الكاتب الأول إدريس لشكر ونديمه الحبيب بواجب المحاسبة وتحمل مسؤوليتهما في احترام الدستور والقانون والعمل بهما. مثلما أن مفهوم العمل السياسي القانوني يضمن للشباب ثروات الوضوح القيمي، المعرفة، الحرية، الكرامة والحكامة الحزبية الديموقراطية.

وعليه نستمر كتيارٍ مُجْتَهِدٍ في تنبيه القيادة الساقطة إلى الضرورة الملحة التي تستوجب مواكبة زمن الاستعاضة التقنية بالقسطاس والإتقان. وذلك لأن الوطن المغربي لن يستفيد من تَحْمِيلاتْ تخفيف الحدة أو من تناول العقار المُهَدئ بالحَل الخرافي الوهمي، أو من خلال الاستعانة بسماسرة تجارة التزكيات الانتخابية.

 الآن..  هو الزمن المناسب للاستعاضة عن أَوحال وادي التسلط التنظيمي المُظلم والبائس بالتعبيد النَّيِّر لطريق الديموقراطية الحزبية التشاركية، وانتشال الشباب الاتحادي من براثين رمال الجاهلية التنظيمية المتحركة إلى صخرة المعرفة القوية والتعلم الآلي. “الآن” هو الزمن المناسب لتطوير برنامج التجدد الاتحادي من أجل الوطن والمواطنين.

وكما عاشَت هذه ” القيادة المرهونة” عُشريةَ الذل والهوان، فقد يكون المُصاب خللاً خطيرا إن تجاهلَت ذات القيادة المَائِلَة مطالب التيار المناضل الجسور. فغضب ولاد الشعب المشروع قد يكون شديد القُرِّ، ولن ينقضي صَقِيعُهُ حتى نُعَاين ربيع الحداثة والديموقراطية المزهر. فَكما سَجلنَا بشرف وشموخ بداية مهيبة لتَيّارنا الفكري الشبابي سنة 2007، هَا نحن عَامَ 2021 نعلنها من جديدٍ هَبَّةً مُتَجَددَةً لِريح صَرْصَرٍ عاتيّةٍ تُنذر كُل المتخاذِلِين والمُتَواطِئِينَ بتَسَاقُطِ وُرَيْقَاتِ أولئِك الذين ظَنُّوا أن تيار ولاد الشعب كان بحاجة -فقط- لسُوَيْعَاتِ “فُسحَة” بين شبابيكَ مُسَيَّجة، أو أولئك الذين اعتقدوا -واهمين مُتَوَهِّمِينَ- أن التيار الآن قد استسلمَ مُنْبَطِحًا أمام دسائس اليأس والإحباط.

- إشهار -

وَإِنَّهَا لَرسالة تيار ولاد الشعب المُتَقَدِّم بعزم ويقظة وثبات أمام كيد اللئامِ ومَكر الأوغادِ وسَفاهة الرُّويبِضَات، تؤكد على أَنَّنَا ونحن في طريق اكتِسابِنا لِمَكانَتِنا الشَّرعيّة والمَشرُوعة، لن نُذنِب باقتراف خُنوعٍ خاطئ، ولن نروي تَعطُّشنا للإنصاف والحرية والكرامة والديموقراطية بالشرب من كأس الحقد والكراهية والانتقام. لذا يجب أن نُنْهِيَ نضالنا المستميت دائما بمستوى عال من الوعي والتبصر والكياسة والزهد الكريم. كما لا يجب أن نسمح بتَقهقر غضبنا الخَلاق إلى درك العنف وسلوك التطرف.

إذْ.. هَا هِيَ ألاَمُ العُشَرِية السوداء قد سَمَتْ بنا نحو مقام التقاء القوة الناعمة مع النبل الإنساني. ومن تمَّ لا يجب التفريط بتراكمات المدرسة السياسية لتيار ولاد الشعب الذي ينشد مجتمع المواطنة الدستورية.

وَهَا هُم الكَثير من أخواتنا وإخواننا، يشهدون بأن الجهل والظلم قد سَمَّمَا الفِكْرَة الاتحادية. بل هُم اليومَ من صميم قناعاتهم قد أدركوا أن مصيرهم مرتبط بمصيرنا، وأن حريَّتهم لا تنفصل أبدًا عن حريَّتنا. وأن مطلب الاستعاضة التقنية الذي نشترك فيه اليوم سيتنامى صَهِيلُهُ حَتَّى يُطفئ نيران تيار الإفساد والاستبداد الحزبي بِبَرَدِ اتحادٍ حداثي ديموقراطي يصنعه جيل مناضل مبتكِر ومبدع، جيل متعدد المعرفة والثقافة.

ولأن البعض الآخر سيستمر في طرح السؤال المعلوم علينا: متى ستشعرون بالرضا؟ فَلهم تكرار الجواب المبين، أنَّ القُنُوع عندنا غائِبٌ ومُغَيَّبَ مادامَ تيار ولاد الشعب ضحيةً للتأويل الخُرَافي التّسلطي لمفهوم الحكامة الحزبية الراشدة. فلا يمكن أن نَركَن للقُنُوع ما دامت أجسادنا المظلومة المُثقَلة مع انعدام معايير الاستحقاق وتكافؤ الفرص والتَّمْييز الانتقائي، وَما دامت العقول لا تستطيع أن تأوي إلى باحات الاستعاضة الديموقراطية السليمة.

إِيْ ورَبِّي لن نتمكن من استِحباب القُنُوعِ ما دام نصيب تيار ولاد الشعب من المشاركة الحزبية السياسية مُجرد تَحَوُّلٍ من مستنقع نَتنٍ عميق إلى آخر أَنْتنْ وَأعمق منه.

بالتالي.. لن نشعر بالقُنُوع أبدًا، ونحن نرى تيار ولاد الشعب يُجَرَّدُ من انتمائه الحزبي لأنه تصدى لتيار الاستبداد الحزبي بسلاح المعرفة ونبذ العنف. ولن نشعر بالقُنُوع أبدًا.. ما دام ضِعافُ النُّفُوس يسابقون إلى نهشِ كرامَتِنَا، لأننا نستَهْجِنُ فجورَ مرجعية التسلط حين تأخذها العِزَّة بالفَشَل الذريع. هذه المرجعية التي لم تراجع انبعاثها الفاشل حين انتهى الأمر بزعِيمِهَا السَّبَهْلَلْ إدريس ونديمه الحبيب في خانة الذل واللهْث خلف المكاسب الوزارية، وتَسَوَّل المناصب، والمتاجرة بالتزكيات الانتخابية، وخيانة المرجعية الحداثية الديموقراطية.

ولأننا صوت الأحرارِ الأحياءِ، ورغم أهوال جرائم العشرية السوداءِ، فإننا نحلم بنضالنا الواعي والمسؤول، ونسترسل في تجديد الثقة بقدرتنا على تحريك مستنقع الوضع الحزبي الراكد دون التخبط في أوحال التردد والعدمية والخضوع للباطل الحزبي. وعلى الرغم من مظالم الأمس واليوم والغد، إلا أننا نعضُّ بالنَّواجِدِ على هذا الشعور الوطني التقدمي النبيل كي نعيش المعنى الحقيقي لتطوير الفكرة الاتحادية منذ وهج التأسيس إلى الأفول الحالي، وكذلك لتنوير مسارها النضالي من أجل الحداثة والديموقراطية حتى يكسب ولاد الشعب رهان الاستعاضة التقنية من داخل المؤسسات.

إِيْ نَعَم.. بهذا الهدف الوطني الاستراتيجي تَجَاوَزنا محَنة العُشرية السوداء، وبه سنتمكن من كسب التَّحديات الراهنة من خلال العمل بأمل وجدية وتَعَفُّفٍ وَتَرَفُّعٍ. وبمنتهى الاعتزاز والصمود والرغبة في التعلم نمضي إلى سبيل ملامسة المستقبل الذكي المربوط باجتهادات ولاد الشعب وبواجب تقديم الجواب على سؤال الاستمرارية لفكرة الحركة الاتحادية. ولعله اليوم الذي يستطيع فيه حزب الاتحاد الاشتراكي تطهير ذاته من أَدران الإفساد والاستبداد، وتجديد أَوَاصِر الانفتاح على حاضِنَته الشعبية الحقيقية وليس حاضنة الأعيان المُستَعارة.

“نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ”. الآية 45 من سورة ق.

*رئيس تيار ولاد الشعب بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد