إلى أين يسير القصر بالمغرب؟ 2/3
مؤتمر حزب “الجرار إلى السجن”.. وأكاديمية محمد السادس لتعليم السياسة.. وما يريده الملك لولي عهده
مراد بورجى
جرّتني “المصطلحات”، التي استعملها الملك محمد السادس في برقية التهنئة، التي وجهها، يوم الاثنين الماضي، إلى “الثلاثي” فاطمة الزهراء المنصوري والمهدي بنسعيد وصلاح الدين أبو الغالي، الذين سيقودون حزب “الأصالة للمعاصرة”، إلى محاولة فهم الدور، الذي سيلعبه هؤلاء اللاعبون الثلاثة، خريجو مدرسة الحزب، في “التصفيات النهائية” للمفسدين داخل حزبهم، دور سيحدّد ما يجب أن تقوم به الأمانات العامة لباقي الأحزاب في “المباراة النهائية”، التي تجري الآن بين المفسدين من الطبقة السياسية، وبين القضاء المغربي المدعوم بكشف أو نزع “القصر” للغطاء عن “أولئك”، الذين كانوا بالأمس يتخفّون وراءه، فأصبحوا “عرايا” أمام الأمن، الذي بات “بصره اليوم حديد”…
طبقة سياسية لم ينفع معها 103 خُطب وجهها الملك محمد السادس إلى الشعب، لمدة ناهزت ربع قرن من حكمه، فضلا عن عشرات الرسائل الملكية وبلاغات الديوان الملكي، كما لم ينفع معها لا التقريع ولا التوبيخ ولا الطرد ولا “الغضبات الملكية”، بعدما بيّنت الحصيلة أن كل هذه الخُطب والرسائل والبلاغات لم تُسعف الملك في أن يغيّر من هذه “الطينة الخالدة” من المفسدين، ولا أن “يغيّروا ما بأنفسهم”، حتى أعلن، ذاتَ خطابٍ، عن فقدانه، هو والشعب، الثقة في هذه النخبة الحزبية الفاسدة، التي ورثَ جلّها عن والده الملك الراحل الحسن الثاني، وأوغلت في “التنمّر” و”التمرّد” على توجيهاته وتعليماته!! وظل الجالس على العرش لا يكفّ عن توجيه اللوم إليها وكبْح جماحها حتى لا تمتد أذرعها إلى حُكم ولي عهده، الحسن الثالث الموعود.
لهذا السبب بالذات، ذكر العارفون بخبايا الأمور أن “شعرة معاوية”، التي قال عبد اللطيف وهبي (المنتهية صلاحيته) أنه قطعها، قد التأمت من جديد، وهو ما كان وراء تغييب صفة “الأمين العام”، التي أعتاد الملك محمد السادس أن يُخاطب بها من يتولّون زمام أمور الأحزاب، في أعقاب مؤتمراتها الوطنية، إلاّ أنه مع حزب “البام” الأمر اختلف، بعد أن خاطب الملك، في برقية تهنئته، فاطمة الزهراء المنصوري، بمنسقة القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، كصفة جديدة على الساحة السياسية المغربية، واسترسل الملك يقول إن “حزبهم” اليوم اختار قيادة جماعية كصيغة “تهدف إلى إرساء حكامة تنظيمية، وإلى أداء الأدوار المخولة دستوريا للأحزاب السياسية بشكل متجدد، وإلى ترسيخ مكانته ضمن الأحزاب الجادة المنخرطة في المشروع الديمقراطي والتنموي الوطني”.
هذا الخطاب المتفرد، وهذه التوجيهات الملكية المحددة، والتي جاءت متسلسلة، تحمل الكثير من الدلالات حول مشروع الملك وما يريده لمغرب ولي العهد، فقد انطلق تسلسلها بإرساء حكامة تنظيمية داخل الحزب في البداية، ثم المرور إلى ترسيخ “مكان ضمن الأحزاب الجادة”، ليصل الحزب إلى “مستوى” الانخراط في المشروع الديمقراطي والتنموي الوطني.
كان هذا الكلام سيظل مبهماً لولا أن زكّته منسّقة الأمانة العامة فاطمة الزهراء المنصوري نفسها، في كلمتها خلال الندوة الصحفية ليوم السبت، الذي سبق “البرقية المعلومة”، وأطْلعتْ من خلاله الحاضر ليُبلغ الغائب أن القيادة الجديدة “جيل المعاصرة”، خرّيجي حزب صديق الملك، سيعملون على “تخليق العمل السياسي من خلال اعتماد وتنزيل توجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله”، وزاد أحمد أخشيشن “جيل الأصالة”، عندما تكلّم، في نفس الندوة، عن إحياء مشروع قال إنه كان مؤجّلا، ويتمثل في مؤسسة “أكاديمية التكوين”، التي ستعمل على “تكوين وتجويد العمل السياسي، من خلال الاعتماد والاستعانة بالخبراء في المجال”.
ماذا يريد “أصحاب البام” بهذا مثلا!!؟
الجواب جاء سريعا عبر الدفع بالخرجة الإعلامية، عبر القناة الثانية “دوزيم”، لمنسقة الأمانة العامة الثلاثية، للزيادة في الوضوح والتوضيح “باش اللي ما فاهمش يفهم”، من خلال ما قالته فاطمة الزهراء المنصوري للزميل رضوان الرمضاني، وعبره للساسة وعموم المواطنين…
قالت “المنسقة” بالحرف:
– خَصّْ المؤسسات الحزبية تتجدد.
– حان الوقت لتصحيح الأمور.. وتجديد المقاربة.
– نّْصحو نفوسنا (نقد ذاتي).. الانتقادات صحية وإيجابية..
– نْعاودو النظر فمشروعنا بمنهجية جديدة..
واعترفت “المنسقة” أمام المغاربة بفشل “الغاية المثلى”، التي تأسس من أجلها حزب “صاحبو”، وهي أن يكون نموذجاً للحزب الوطني الملتزم، فلم تتردّد في القول: “نعاودو النظر في مشروعنا”…وختمت تقول بصوت عال: “أنا لست أمينة عامة للحزب، نحن الثلاثة نسيّر الحزب، ولا فرق بيننا”…
الرسالة هنا هي تذكير لـ”جيوب المقاومة” بالخرجة الإعلامية لمؤسس الحزب فؤاد عالي الهمة، عندما خرج على الناس عبر نفس القناة، يشرح الغاية من خلق حزب سياسي “مكرهاً” وقتها، بعد أن رفضت “قيادات بعينها” داخل الأحزاب التعامل مع الرسالة، التي جاء بها من خلال حركته لكل الديمقراطيين، التي ما لبثت أن تفرّقت بها السبل “برّق ما تقجع”…
لقد كان لزاما تذكيرُ “جيوبِ مقاومةِ مشروع الملك” بما قاله مبعوثه فؤاد عالي الهمة، قبل أزيد من عقد ونصف من الزمن، وبالضبط يوم الاثنين 10 دجنبر 2007، عبر برنامج للزميل عبد الصمد بنشريف، عندما أعلن لعموم المغاربة أن “المغرب دخل الآن في حلقة مفتوحة على محاربة الأمية، ومحاربة الفقر… هذا هو مشروع الملك محمد السادس، وهذا هو مشروع مغرب اليوم، وأظن أن الرجوع إلى الأصل أصل، واليوم أقول لجميع الطاقات في جميع المناطق المغربية وخارج المغرب، إنه حان الوقت لخدمة وطننا”…
واليوم، بعد أزيد من 16 سنة على هذا القول، وإذا كان القليل قد اغتنى الغنى الفاحش من أموال الشعب، بعد أن أفسد السياسة كما هو الوضع الحالي في جل الأحزاب السياسية المغربية، فإن للبيت قضاءً يحميه، وبعده ترتيب البيت، ليظهر الأفق المتّسع لفسح الفرصة أمام جيل الشباب، الذي سيجعل من حزب “تَرِكة” الهمة نموذجا يُحتذى، بعد إقرار قانون الحزب مبدأ المسؤولية الثلاثية في التسيير، في ظل التكوين الأولي والمستمر، في اقتباسٍ لما جادت به أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، حتى جاز للاعبين الثلاثة في ملعب حزب “الجرار للسجن” أن يُسمُّوا الأكاديمية الموعودة بـ”أكاديمية محمد السادس لتعليم السياسة”…
ويبقى السؤال، الذي يطرح نفسه، بقوة، في هذا المقام، أكبر من مجرّد التوجّه إلى “البام”، وإنما إلى عموم الحقل الحزبي المغربي، وهو: هل ستبقى الأحزاب معلّقةً بيد نفس الأشخاص، ومنحسرةً ومحصورةً في حدود “ترديد الكلام”، فتُعيد، بذلك، إنتاج نفس الأسباب والدواعي، التي أدت إلى الأزمة، وتُواصلُ المسار نحو الانهيار والانحدار؟ أم ستدرك جيدا مرامي توجيهات الملك وما يريده للمشهد السياسي الحزبي من تأهيل وبِناء وقوة للمستقبل، لمغرب جيل ولي العهد؟ بمعنى آخر: هل سيدرك الحقل الحزبي المغربي جيدا مرامي الملك في رسالة تهنئة البام، ويقرأ ما يجب أن يقرأه فيها من إشارات قوية؟ خصوصا أن الجالس على العرش اضطر إلى استعمال لغة مباشرة لمرات عديدة في التعبير عن رؤيته للتأهيل الحزبي، الذي طالما “دعا” إليه، وها هو يعيد الدعوة إليه من جديد، من خلال مؤتمر البام الخامس، ليؤكّد “ما ندعو إليه من ضرورة توطيد الثقة ومصداقية الهيئات السياسية، وذلك عبر تكريس الثقافة والممارسة السياسية النبيلة، القائمة على الجدية في التفاعل مع التطلعات المشروعة للمواطنين، والتفاني في جعل خدمة الصالح العام الهدف الأسمى لكل فعل سياسي حزبي”. دعوة مباشرة تعيد التذكير، ضمنيا، بـ”الإدانة الملكية” للنخبة الحزبية الفاسدة، التي قال فيها الملك إن كل ما يهمهم هو قضاء مصالحهم الخاصة بشتى الأساليب!!!
بتعبير آخر، يكون الملك، برسائله “تعليماته” الواضحة هذه، قد حدّد ما يريده لمغرب ولي العهد، فهو يدعو وينظّر لمغرب جديد، مغرب الغد، الذي لم يعد يحتمل استمرار نفس الوجوه، ونفس الأسماء، التي زرعت البؤس في نفوس المغاربة طيلة ربع قرن!!
مغرب الغد، الذي يتجه نحو ملكية برلمانية يسود فيه الملك ولا يحكم، كما جاء على لسان مستشاريه عبد اللطيف المنوني وعمر عزيمان، يوما واحدا قبل خطاب العرش لسنة 2019، الذي أمر فيه الملك محمد السادس بتجديد النخب وضخ دماء جديدة!!
مغرب الغد، الذي يوجد به 50% من الشباب تقل أعمارهم عن 30 سنة، هم من يريد ولي عهده أن يكونوا بجانبه، لهذا يجب أن تُستبدل بهم هذه النخبة السياسية “الخالدة” و”الفاشلة” بشهادة الملك نفسه، حتى أنني كتبت عن هؤلاء “المستخلدين”، الذين يعضّون بالنواجد على الكراسي والمواقع، وتصوّرت، بعدما لم تنفع معهم الخطب والرسائل والتوجيهات والأوامر الملكية، أنْ لم يتبقَّ سوى أن نرى يومًا الجالس على العرش يخوض “وقفات احتجاجية” أمام مقرّات هذه الأحزاب لمُطالبة قادتها “الدائمين” بالرحيل…