الملكية البرلمانية ومحاربة الاستبداد وحليفه الفساد (3)


الجزء الثالث: مطلب محاربة الفساد حليف الاستبداد والتسلط.. من إكراه القبول والتعايش الضمنيين معه، إلى العمل الملموس من أجل مجابهته.

محور المطالبة والترافع والنضال السياسي من أجل ملكية برلمانية، يدخل في خانة مطلب دمقرطة الدولة الذي يعد مطلبا جماهيريا شموليا، عادلا ومشروعا، يشمل، إلى جانب دمقرطة النظام السياسي، أبعادا بنيوية وعميقة تتعلق بترسيخ الثقافة الديمقراطية وسط المجتمع، وبين مكوناته المدنية لضمان الحق في الحرية، باعتبارها حقا مشاعا، والحق في الاختلاف وكافة الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وسمو القانون.

هذه المهمة، مهمة تحقيق مطلب الملكية البرلمانية، تتطلب منا في الحزب الاشتراكي الموحد الانتقال إلى مرحلة وضع استراتيجية وأهداف وإجراءات دقيقة واضحة وملموسة، بإشراك المواطنين، لمواجهة الإكراهات المعيقة للدمقرطة والتحديث والتنمية. وذلك يقتضي القطع مع الممارسة السياسية التقليدية والانتقال إلى ممارسة سياسية حقيقية متماهية وملتحمة بالقضايا العادلة للشعب المغربي.

إن الترافع الحثيث من أجل مراجعة دستورية تكرس هذا المطلب الثوري، يتطلب وضع ميثاق تعاقدي ديمقراطي جديد وبلورة المشترك البرنامجي في حده الأدنى والذي يعد بمثابة إطار مرجعي ووثيقة تأسيسية للتحالفات السياسية الممكنة لجميع الكتل السياسية الديمقراطية وفي صلبها القوى المجتمعية المواطنة، داخل وخارج المؤسسات، من أجل ملكية برلمانية.

مطلب محاربة الفساد حليف الاستبداد والتسلط: من إكراه القبول والتعايش الضمنيين معه، إلى العمل الملموس من أجل مجابهته.

وجب التذكير أن الحزب الاشتراكي الموحد، الذي اختار النضال من داخل المؤسسات، ومن خارجها، لم يطبع قط مع الفساد، خلافا لباقي مكونات اليسار المنبثق من أحزاب الحركة الوطنية التي اندمجت سلبا مع الفساد واستفادت من الريع السياسي والاقتصادي.

بينما حرص هذا الحزب على طهارته ونقاوته رغم إغراءات العمل المؤسساتي الغارق في الفساد والريع، ذلك على امتداد أزيد من أربعين سنة من نضاله داخل المؤسسات، وذلك راجع لربط الحزب الممارسة السياسية بالأخلاق، والتاريخ يشهد على تعدد هذه الإغراءات في كثير من المحطات نذكر منها أساسا، الامتناع عن التصويت بنعم على الدستور الممنوح لسنة 1996 ورفض عرض عبد الرحمان اليوسفي للاستوزار في حكومة التناوب لسنة 1998، وقبلها موقف الرفيق محمد بن سعيد بصفته البرلمانية من الاعتقالات السياسية والاختفاءات القسرية زمن الرصاص وفضحه للمعتقل السري بتازمامارت داخل البرلمان، بالإضافة إلى وقوف الحزب صامدا أمام الإغراءات والعروض التي قدمها أزلام المخزن سنة 2007 مع سلوكهم قنوات تواصل مع بعض الرفاق من التيار المنشق، وصموده في مواجهة الأطروحات الداعية داخليا، للتحالف مع “حمائم النظام” ضد تيار الاسلام السياسي. مما دفع أصحاب هذه الاطروحات الى تأسيس “الحركة لكل الديمقراطيين” برعاية المخزن تمهيدا للارتماء في أحضانه والمشاركة في تأسيس حزب القصر “الأصالة والمعاصرة”.

صمود الحزب الاشتراكي الموحد في كل هذه المحطات وتمنعه عن كل الاغراءات المصاحبة لها، كانت سببا أساسيا من أسباب محاربة الحزب والتضييق عليه في العديد من المناسبات من توالي دسائس النظام لشق الحزب في أكثر من مرة، بدءا من انشقاق تيار أوطيل حسان 1996 إلى انشقاق المهرولين الجدد مما يسمى باطلا بـ” التيار الوحدوي” الذي فشل في قرصنة حزبنا وشبيبته الصامدة. هذا الصمود كان نتيجة للنضج الجمعي والوعي العالي للرفيقات والرفاق وإيمانهم الراسخ بأن السياسية أخلاق ووضوح ونضال مع الجماهير والطبقة العاملة الكادحة من طلبة وفلاحين وغيرهم من الفئات.

طيلة هذه المرحلة ظل الحزب الاشتراكي الموحد وفيا لمبادئه الراسخة ولمنطلقات تأسيسه ولم يطبع مع الفساد الذي يعتبر، بقناعة مبدئية، أن محاربته مدخل أساسي للتغيير الديمقراطي. فكيف يمكننا كحزب الانتقال من مرحلة الصمود أمام الفساد ورفع مطلب محاربته كشعار إلى مرحلة التعبئة للمواجهة وخوض معركة محاربة الفساد، ربيب وحليف وقاعدة الإستبداد والتسلط، دون إعادة بناء أداته التنظيمية وتحصينه تقوية لحمته الداخلية؟.

المرحلة الجديدة المقبلة، تقتضي من الحزب وعموم اليسار نهج الخطوات التالية:

- إشهار -

خوض المعركة في أبعادها القانونية والقضائية والسياسية والإعلامية بالرصد الشامل والتشخيص الملموس. يقتضي ذلك، أساسا، إحداث خلية يقظة حزبية مركزية لمكافحة الفساد تتويجا لهذا الخيار/المعركة التي من الضروري إشراك الفروع والفعاليات والديناميات المناضلة الحليفة في خوضها.

ممارسة حق فضح الفساد في حينه والتزام المناضلات والمناضلين بالوقوف على حالات الفساد التي يكشفها المواطنون بمواقع التواصل الإجتماعي واستعمال هذه الوسائل الحديثة في الفضح إلى جانب النضال الميداني.

كما يجب على محاميي الحزب وقانونييه، بالتنسيق مع زملائهم، رفع الدعاوي العمومية في مواجهة المتورطين.

ويمكن التمرين على هذا الفضح بالاشتغال بدءا بالتقارير الرسمية لمؤسسات دستورية كـ “المجلس الأعلى للحسابات” و”مجلس المنافسة” ولجان التقصي البرلمانية، والبحث عن المعلومة في تقارير قطاعات أخرى التي دأب النظام على اعتبارها سرية كتقارير مفتشية الادارة الترابية والمفتشية العامة للمالية.

ولأن محاربة الفساد قضية مجتمعية وشعبية، فإن الحزب مطالب بتعزيز وتقوية وترجيح المراقبة المواطنة الجماهيرية تأطيرا وقربا. وعلى سبيل المثال:

استعمال وسائط التواصل الاجتماعي بفتح “أكورا” مواطنة حول قضايا الفساد بتنظيم نقاشات رقمية دائمة لإثارة هذا الموضوع.

التأسيس لإطار مشترك يجمع التنظيمات والتيارات والديناميات والتنسيقيات الديمقراطية للعمل سويا في هذه الجبهة وتنسيق العمل النضالي في هذا الاتجاه.

ربط هذه المهمة بالمطالبة والترافع من أجل فك الارتباط الوثيق بين “السلطة السياسية” و “المال والتجارة”. ذلك لأن ممارسة الحاكم للتجارة، يفسد التجارة والحكم معا، مع النضال من أجل تفعيل مبدأ ” من أين لك هذا “.

معركة محاربة الفساد يجب أن تكون أولوية سياسية مركزية للحزب الاشتراكي الموحد وعموم اليسار الديمقراطي، ويجب أن تتم بالتوازي مع معركة محاربة الاستبداد والتسلط. ومن حقنا الدستوري وواجبنا السياسي، العمل على الواجهتين والمضي إلى أبعد مستوى ممكن في الممارسة السياسية تفعيلا لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد