الافتراس المحلي: الدار البيضاء من التدبير المفوض إلى شركات التنمية المحلية
تعيش كل سنة مدينة الدار البيضاء أكبر تجمع سكاني بالمغرب على وقع خسائر مادية مهمة وعرقلة في السير تعيق التنمية الحقيقية لمدينة. ولا يكمن إرجاع هذه الوضعية إلى تساقطات مطرية عادية تعرف أكثر منها كبريات العواصم العالمية، بل يجب البحث في جذور أزمة تتعمق يوما بعد يوم في مدينة وصل تعداد سكانها إلى 5 مليون نسمة، وتحديد المسؤوليات حتى تتماشى مع الخطاب الحديث الذي يسعى إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة.
Iتدبير مفوض لقطاع الماء والكهرباء لشركة عابرة للقارات:
أبرم المغرب سنة 1997 مع مجموعة la lyonnaise des eaux اتفاقية شراكة لتدبير قطاع حيوي في أكبر مدينة مغربية وهكذا رأت شركة Suez النور سنة 1995 وهي فرع من la lyonnaise des eaux الفرنسية وكان ثمن الصفقة خليطا من مزاد علني بقيمة 600 مليون فرنك فرنسي عبارة عن ديون مغربية لفرنسا تم تحويلها إلى مشاريع، وقد تم الاتفاق أن المدة المحددة للعقد هي 30سنة.
وهكذا تشكلت ما يعرف حاليا بليديك تملك فيها %51 Suez ثمInternational EDF, Agbarex ،Endesa Europa كانت تتكون من شركاء أوربيين تخلت هذه الشركات عن حصتها سنة 2004لـ Fipar Holding شركة تابعة ل CDG بـ%20 وشركة التأمين RMA الوطنية % 15 والباقي موزع بين المشاركين في البورصة.
وقد ابتدأت الشركة برأسمال 236.2 مليون درهم ليصل بعد ذلك في سنة 2018 إلى 7.2 مليار درهم حوالي 682 مليون أورو.
وقد ظن سكان الدار البيضاء أن هذا الشكل الجديد من التدبير سيخفف معاناتهم مع الانقطاعات التي كانت تعرفها المدينة نتيجة “وصاية وتدبير غير شفاف للجماعات المحلية” إلا أنه ابتداء من سنة 2006 بدأت تعرف المدينة سلسلة احتجاجات نتيجة ارتفاع فاتورات الاستهلاك المنزلي، وقد توالت هذه الاحتجاجات غير المنظمة إلى حدود شهر ماي من سنة 2020 حيث إنه في ظل الحجر الصحي تعرض السكان إلى ارتفاع آخر لم تراع الشركة فيه الأوضاع المادية لساكنة تشتغل فئاتها النشيطة في القطاع الغير المهيكل بالدرجة الأولى.
وتذرعت الشركة بأنها تقوم بإصلاحات بنيوية في جهة الدار البيضاء الكبرى لحماية الساكنة من الفيضانات وأيضا “لتجويد منتوجاتها”. غير أن المتتبع لكل مشاريعهما يقف أمام هول الكارثة.
* أين وصل مشروع تخزين مياه الأمطار أو ما سمي بسرداب حي السدري والذي وعدت الشركة بأن يكون هذا المشروع الضخم جاهزا في فبراير 2021 بعدما انطلقت أشغاله في فبراير2018؟؟
* أين وصلت 3 مشاريع للمياه القادمة والمياه المطرية بمبلغ 331 مليون درهم والخاصة بالطريق الوطنية رقم 1 وأحياء حي الرحمة والحي الحسني؟؟
لا يمكن تعداد المشاريع التي لم تتحقق والتراجع الكبير في مجال الاستثمار في ما بين الفترة ما بين 1997 و2006 يقدر العجز في الاستثمار بما مجموعه 1.8 مليار درهم، وقد كان النصيب الأوفر من هذا العجز للفئات الهشة بحيث أن شبكة الربط للمنازل لم تتجاوز في الفترة ما بين 2006-1997 ما مجموعه 45806 ربط، ومع كل هذا حافظت الشركة على توزيع الأرباح بين المساهمين بما قدره %15 عن كل سنة(1) بسبب جشع الرأسمال الذي يهمه الربح على حساب الأمن الصحي للمواطنين والماء كمادة حيوية لا يجب أن تخضع للتسليع، بل هي ملك مشترك يجب الحفاظ عليه وتتحمل الدولة المسؤولية الأساسية في توفيره بثمن مناسب.
إن ما عرفته مدينة الدار البيضاء ومدن مغربية أخرى من سياسات الاستعمار الجديد عرفته دول أخرى سواء في إفريقيا أو في أمريكا اللاتينية الأرجنتين، الشيلي، بوليفيا وكانت نفس المعاناة مع نفس الشركة الفرنسية ونتيجة للمقاومة الشعبية والضغط الذي مارسته الحركات الاجتماعية ثم إلغاء الاتفاقيات المبرمة وتم تأميم قطاع الماء نتيجة الثورة البليفارية في بوليفيا سنة.2005
– IIمن التدبير المفوض إلى سياسة شركات التنمية المحلية:
أسست في شهر أكتوبر 2008 ما سمي بشركة الدار البيضاء للتهيئة، شركة مجهولة الاسم بمقتضى مرسوم وزاري بعد المصادقة على المخطط المديري للتهيئة الحضرية للدار البيضاء الكبرى، وكان من بين أهداف الشركة:
* إنجاز مشاريع عمرانية وتنموية كبرى ذات طابع اقتصادي وثقافي وبيئي واجتماعي في جهة الدار البيضاء سطات كصاحب المشروع أو كصاحب مشروع منتدب أو كمساعد صاحب المشروع.
* القيام بالدراسات ومساعدة الأطراف المنخرطة في تحديد الحاجيات.
* المشاركة في تقييم مشاريع التنمية.
* إعداد مخططات التمويل والبحث عن مصادر التمويل.
وهي واحدة من 7 شركات للتنمية المحلية ثم إحداثها “بمبادرة” من الجماعات الترابية لمزاولة أنشطة اقتصادية تدخل في نطاق اختصاص الجماعة.
وكل هذه الشركات يتكون رأسمالها أساسا من المالية العامة ولا تخضع لأية محاسبة.
الدار البيضاء للبيئة مشاركة الجماعة في رأسمالها بـ%25 الدار البيضاء للتنشيط والتظاهرات: مشاركة الجماعة في رأسمالها %43 الدار البيضاء للنقل %58.5 الدار البيضاء للتراث %52 الدار البيضاء للخدمات .%50
– ما هي طبيعة هذه الشركات؟
بعد الأرباح الهائلة التي حققتها الشركات الأجنبية في التدبير المفوض لقطاع الماء والنفايات فكرت الدولة المخزنية في خلق شركات محلية لتسير الشأن المحلي والتخلص من “ثقل” المرافق العمومية وهكذا ستكون ضربت عصفورين بحجر واحد، الانضباط لشروط صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية OMC ومن جهة ثانية تثبيت سياسة الريع وذلك بخلق “بورجوازية محلية” قادرة على تطوير شؤون المدينة.
وهكذا تم تعويض شركات الاقتصاد المختلط بشركات التنمية المحلية وتنص المادة رقم 83 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات: “يتعين على الجماعات أن تعتمد عند إحداث أو تدبير المرافق العامة سجل التحديث في التدبير ولاسيما عن طريق التدبير المفوض أو إحداث شركات التنمية المحلية”.
وهي تدخل ضمن التوجه النيوليبرالي للدولة الذي يهدف إلى خلق شراكة ما بين القطاع العام والخاص وفق منطق : .(Partenariat Public Privé) P.P.P وقد شرعت الدولة لهذا الغرض ترسانة قانونية مثال على ذلك القانون رقم 12-86 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص ( .)2014تنص ديباجة هذا القانون على: “ومن شأن اللجوء إلى عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص أن يمكن من الاستفادة من القدرات الابتكارية للقطاع الخاص وتمويله ومن ضمان توفير الخدمات بصفة تعاقدية وتقديمها في الآجال وبالجودة المتوخاة وأداء مستحقاتها جزئيا أو كليا من طرف السلطات العمومية وبحسب المعاير المحددة سلفا.
إن اللجوء إلى هذا الشكل من تسيير الشأن المحلي لم يعد مقتصرا على مدينة الدار البيضاء بل تعداه إلى مدن أخرى: الرباط – طنجة – أكادير وسيصبح قريبا سياسة عامة.
-IIIعلى سبيل الختم :
إن مسؤولية حزب العدالة والتنمية عن وضع مدينة الدار البيضاء ليست وليدة اليوم، بل بدأت منذ دورة أبريل 2009 حينما كان أعضاء الحزب يدافعون باسم الوطنية عن إعطاء فرصة للرأسمال الأجنبي للاستثمار وخلق فرص الشغل.
إن مسؤولية حزب العدالة والتنمية تتجلى في أنه جزء لا يتجزأ من منظومة ليبرالية متوحشة وتوهم في لحظة معينة أنه يمكن أنسنتها اعتمادا على الشرعية الشعبية والثقافية/الدينية، لكنه سقط في الفخ.
إن التدبير المفوض وشركات التنمية المحلية وجهان لعملة واحدة وهي تفضح كما قال سعيد السعدي: “محدودية ديموقراطية محلية بالمغرب تجمع بين النيوليبرالية ونيومخزن”.
ولكي يعطي معنى لهذا الإفلاس المطلوب اليوم هو تكوين: مراجعة شعبية Audit/populaire خارج منظومة اللجن المخزنية وذلك في أفق تشكيل بديل سياسي لسياسة لمدينة فاضلة.
الهامش:
1:- انظر مقال لسعيد السعدي privatisation de l’eau au Maroc: une évaluation critique