النقابات و التنسيقيات.. الجدل العقيم بقطاع التعليم
بعد خروج النظام الأساسي الجديد لموظفي التعليم، انتفضت الشغيلة التعليمية ضدا على هذا النظام الجديد، والذي اعتبرته ظالما ومجحفا في حقها.
وعلى هامش هذا النظام الأساسي الجديد؛ خرجت الشغيلة التعليمية عن بكرة أبيها تندد به وتشجب ما جاء فيه من تراجعات في المكتسبات المادية و المعنوية.
و قد حملت الشغيلة التعليمية المسؤولية للنقابات التعليمية المشاركة في الحوارات الإجتماعية المتتالية مع الوزارة المعنية؛ بدعوى أن النقابات الموقعة هي التي مهدت الطريق لخروج هذا النظام الأساسي المجحف.
تمخض عن هذا كله؛ بزوغ تنسيقية أخرى جديدة تم إنشاؤها مباشرة بعد خروج هذا النظام الأساسي؛ تقول عن نفسها أنها تدعو للوحدة حتى تحقيق مطالبها و أغلبية المنتمين لها ترفض بالمطلق النقابات بدعوى أن هذه الأخيرة خانت مطالب الشغيلة التعليمية.
رفضها هذا للنقابات؛ يتخيل منه كما لو أن النقابات تتكون من أشخاص خارج المنظومة التعليمية؛ كما لو أن النقابات تتكون من رجال و نساء ليسوا نتاجا للسياسة التعليمية بالمغرب و البنية الذهنية المجتمعية السائدة بالمغرب؛ حيث أن السياسة التعليمية بالمغرب ترتكز على الكمي و الشكلي و الرقمي دون أن تغوص في المشاكل العميقة للمجتمع المغربي المتمخضة عن السياسات العمومية الكبرى حيث الالتقائية مع الوزارات الأخرى المنشغلة أساسا بالصحة و محاربة الفقر و الثقافة إلى غير ذلك؛ ثم البنية الذهنية المجتمعية السائدة بالمغرب؛ المتمظهرة في السلوكيات الإنفرادية و الفردانية التي يتم الترويج لها مجتمعيا و إعلاميا؛ بوعي أو بدونه في الآونة الأخيرة؛ و التي تتجلى في عبارة ” ماكاينش معامن”؛ عبارة يتم استسهالها للوهلة الأولى؛ و لكنها تتضمن سما زعافا سيكتوي بلسعها المجتمع ككل إن لم يتم التوقف عن ترويجها.
وبناءا عليه؛ فالنقابات التعليمية ليست إلا نتاجا وانعكاسا للوعي النقابي والسياسي للشغيلة التعليمية نفسها؛ و قد يكون واهما من يدعي أن القيادات النقابية لا تتفاعل مع قواعدها؛ كما تكون القواعد تكون القيادات؛ و لا دليل واضح إلا عدد الإنخراطات في النقابات التي لا تشارف 5% من الشغيلة؛ و كذا المبادارت الغائبة و الهزيلة من أجل تحمل المسؤوليات بالمكاتب المحلية و الجهوية و الإقليمية و كذا تحمل الحضور في الوقفات المختلفة.
إن بزوغ التنسيقيات؛ كيفما كان نوعها؛ ليس إلا تجل واضح لانتشار العقلية الفردانية في الوسط التعليمي؛ حيث أن كل فئة تدافع عن ملفها الخاص دون أن تعير أي اهتمام للمشاكل المركبة و العميقة بالقطاع من تضييق على الحريات النقابية و الإبداعية و الفكرية؛ و دون نظرة شمولية للأمور تقطع مع الفئوية و المذهبية الخبزية و التمثلات “الكفاءاتية” المختلة المعايير في الكثير من الأحيان.
إن منشأ التنسيقيات؛ له دعوى محاربة البيروقراطية و ذلك من خارج النقابات؛ و لكن بعد نظرة قبلية عميقة ثم بعدية أعمق للأمور؛ يتبين أنها؛ أي التنسيقيات؛ ليست إلا انجرافا و جرحا نرجسيا يكرس البيروقراطية في أعلى درجات تجلياتها؛ أي منطق ” أنا و بعدي الطوفان”؛ و البيروقراطية هي الانفراد بالقرارات لمصلحة فئوية ضيقة؛ و الغريب في الأمر أنها جميعها تناضل من أجل مطلب خبزي و لا غير ( بإستثناء تنسيقية الذين فرض عليهم التعاقد التي تستبطن منطقا آخر يتطلب مقالا آخر)؛ و لا يهمها النضال ضد الفساد المالي و التضييقات على الإضرابات و الحريات النقابية؛ حيث أنه إذا ما تم تحقيق مطالبها تندثر في الحال و لا تبقى؛ و نادرا ما تظهر؛و إن ظهرت؛ فلأنها مست في مصلحتها الضيقة.
و جدير بالذكر أن هناك من يقتات على حساب هذه التنسيقيات و كثير من هم؛ يلجؤون للتصعيد؛ دون وعي أو بوعي؛ دون دراية و دراسة متأنية و دقيقة لموازين القوى المختلفة المختلة.
و أخيرا و ليس آخرا؛ إن الدعوة لإنشاء تنسيقية جديدة “موحدة”؛ حسب تقديري المتواضع؛ لن تكون لها فائدة مرتجاة من أجل معالجة مشاكل المنظومة التعليمية العميقة؛ هذه المشاكل التي ترتبط و بقوة بمجالات أخرى كالصحة و السكن و محاربة الفقر المادي و المعرفي…الخ.
قد تنجح في اكتساب بعض الحقوق المادية الهزيلة؛ و لكن أن تساهم في الارتقاء بالمنظومة التعليمية؛ فهو مستبعد جدا؛ و لا نريد القول بالاستحالة؛ في ظل عوامل شتى؛ لا بد و أن تجتمع جلها لتفعيل قفزة نوعية في المنظومة ككل.
إن العمل ينبغي أن ينصب على تقوية النقابات الموجودة أصلا و الحفاظ عليها باعتبارها مؤسسات قانونية و ذلك بضخ دماء جديدة فيها و العمل على توحيدها ما أمكن؛ و على الدولة أن تسهم في تماسكها باعتبارها الشريك الأعمق لتجديد و تجويد الفعل التربوي و السير على دمقرطته و عقلنته.