بووانو يكتب: في انتظار زلزال حكومي وسياسي


أعتقد أننا أصبحنا على مسافة زمنية كافية عن الزلزال المدمر الذي ضرب خمسة أقاليم من وطننا الحبيب، وبالتالي أمكننا اليوم تدقيق النظر في المشهد ككل، ووضع النقط على بعض الحروف حتى يتسنى نطقها كما ينبغي دون تمويه أو تدليس !!

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وبعد تجديد الدعاء بالرحمة والمغفرة لكل الشهداء بإذنه، الذين قضوا بسبب هذا الزلزال، والدعاء بالشفاء للمصابين، والدعاء بالعون على الصبر لكل من فقد عزيزا عليه، لابد أولا أن أجدد التنويه بالتدبير الاستعجالي والحاسم لجلالة الملك وحرصه الشخصي على بث روح الأمل بين المتضررين، وبين عموم أفراد الشعب، والإسراع في صياغة برنامج تدخل عمومي لفائدة المناطق المتضررة من الزلزال، وما تلا ذلك من استنفار لكافة المؤسسات، التي كان تدخلها رسالة قوية إلى الجميع، بأن المغرب دولة كبيرة وعريقة، وأن مؤسساتها قادرة على التعامل مع مختلف الأزمات بما تقتضيه المسؤولية.

    ولا بد من التعبير عن الاعتزاز والافتخار بما أبان عنه إخوتنا من المتضررين، في الحوز وباقي المناطق المتضررة، من قوة ايمان ورباطة جأش وقناعة ورضا منقطع النظير بقضاء الله وقدره، وكذلك الاعتزاز بما أظهره عموم المغاربة من مختلف الجهات، من حب وأخوة ومبادرات تضامنية، كشفت المعدن الأصيل للمغاربة، وأنهم أمة واحدة موحدة، إذا اشتكى منها فرد، تداعى له الجميع بالتضامن والتآزر.

    لكن رغم أجواء الإجماع التي نعيشها، وصور التلاحم الكبير، فإنني شخصيا مشوش، ومصدر هذا التشويش هو شرود الحكومة، أو لأكون دقيقا، بعض مكوناتها التي من المفروض أن تكون قاطرة.

    ولن أبالغ إذا قلت بأن الحكومة غير مستأمنة على تنزيل التعليمات الملكية لتدبير تداعيات زلزال الحوز، وتنفيذ البرنامج الطموح المعلن عنه في بلاغات جلسات العمل التي ترأسها جلالة الملك.

    وأقول هذا الكلام وأنا مقتنع بأن اللحظة الحالية قد لا تكون مناسبة، لكن كما يقول الحديث الشريف “لا يُلدغ المؤمن من الجحر مرتين”، وأعتقد أن المغاربة لُدغوا من طرف هذه الحكومة مرات عدة !!

    أولا: يكفي أن أذكّر بأننا في العدالة والتنمية، أحصينا طيلة السنتين الماضيتين، حوالي 43 توجيها ملكيا للحكومة، لكنها مع الأسف لم تتفاعل ولم تقم بواجبها، لأنها ضعيفة وعاجزة.

    ألم يعطي جلالة الملك تعليماته للحكومة بإحداث منظومة للمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، منذ افتتاح السنة التشريعية الأولى، فماذا فعلت الحكومة؟ لا شيء طبعا، وها نحن اليوم نقف على أهمية هذا المخزون، وقد جدد جلالة الملك حفظه الله تعليماته بإحداث مخزون للمواد الأساسية وخاصة الغذائية في كل جهة من جهات المملكة،

    طبعا سأذكّر بأننا في العدالة والتنمية كنا سباقين للتنبيه لهذا الأمر، وبادرنا بمقترح قانون بإحداث وكالة لتدبير المخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لم تتفاعل معه الحكومة بما يلزم من الجدية.

    وهناك العشرات من التعليمات الملكية التي أهملتها الحكومة وتعاملت معها بلامبالاة، منها ما ظهر في الإشكالات التي تواجه تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، ولذلك أخشى أن تلقى التعليمات الملكية بخصوص معالجة أثار وتداعيات الزلزال، من الحكومة، نفس مصير التعليمات الملكية السابقة.

    ثانيا: لا شك أن جميع المواطنين يشعرون بأن الحكومة مفصولة عن آلامهم وأمالهم، وعن واقعهم، فبعد المشاكل المتعلقة بالقدرة الشرائية للمواطنين، والزيادات المتتالية في أسعار المحروقات، ورغم مطالبة الجميع بالتدخل لخفضها والمحافظة على القدرة الشرائية، لم تتخذ الحكومة أي مبادرة في هذا الاتجاه، وصمت أذانها وكأنا غير معنية بمشاكل المواطنين.

    - إشهار -

    وها هي اليوم مكوناتها تخرج ببلاغ لما يُسمى “رئاسة الأغلبية”، يعكس انفصالها عن الشعب، وشرودها عما يعيشه، من أحزان ومشاكل.

    حيث جاء في البلاغ بأن اجتماع الأغلبية أملته “الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ببلادنا”، وكأنه لا علم لهم بالزلزال، أو أنهم يعتبرون الزلزال مجرد حدث سياسي واقتصادي واجتماعي !!

    والأدهى من ذلك أن هذه الأغلبية، وجدت الوقت لتناقش خلافاتها السياسية في هذه اللحظة التي فقدنا فيها حوالي 3000 مواطن، وشرد آلاف أخرون، وهذا يعني أن أولوية الحكومة هي الحفاظ على مصالح مكوناتها، واقتسام الغنائم فيما بينها، لدرجة أنها استمرت في تعيين أعضاء أحزابها في مناصب عليا، والمغاربة منشغلون بإغاثة إخوانهم في الحوز، واسألوا وزير الثقافة المهدي بنسعيد عن “غزوته الإدارية” !!

    ثم إن بلاغ ما يسمى رئاسة الأغلبية، أظهر من جديد جهل الحكومة وأغلبيتها بالمقتضيات الدستورية، وذلك من خلال تأكيد البلاغ على أن الأغلبية ناقشت “التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2024″، وهذا اختصاص حصري للمجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، وفق منطوق الفصل 49 من الدستور، فهل هذا جهل، أم محاولة سطو على اختصاصات المجلس الوزاري، أم هو ضغط على المجلس الوزاري !!

    أرأيتم.. كيف يمكن السكوت على هذه الحكومة، وكيف يمكن استئمانها على مصالح البلاد والعباد، وهي بهذه الأوصاف المفزعة؟

    أخشى أن تخرج علينا الحكومة ورئيسها هذه الأيام، ليقول بأن الزلزال “أزمة مستوردة”، كما ظل يقول بخصوص ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية، لكي يبرر جشعه وفشل حكومته التي وصفها بحكومة الكفاءات… فعلا إنها كفاءات في الاستغلال، وفي السطو على المناصب، وكفاءات في سياسة الهمزة !!

    وفي انتظار زلزال حكومي وسياسي، رحم الله ضحايا زلزال الحوز.

    إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا
    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد