الحق في الحرية بين امتياز الحصانة القانونية وتقديرات العمل القضائي


بين صلاحية وولاية حرمان شخص وفرد مواطن من الحرية، الذي يؤول لأفراد نفاذ القوانين؛ نيابة عامة وقضاة التحقيق وضباط الشرطة القضائية العاملين تحت إمرة هؤلاء بمقتضى قانون الاختصاص وقوانين الولاية بمنطق التحديد، يوجد حق الحرية الذي يتمتع بالأولوية في كل تمفصلات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والمكفولة بمنطوق الدستور المغربي ل2011، ومصون بمقتضى القانون الوطني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ويجب السهر على ضمانه من أجل صون قدسية القاعدة القانونية حماية للمصلحة الفضلى التي هي الحرية.

ويتمتع حق الحرية بأولوية وامتياز كبيرين وبأفضلية دقيقة حصانة لقدسية الحرية كأصل مراعاة لقرينة البراءة كمدخل أساسي من مداخل المحاكمة العادلة، وتعزيز هذه الحماية بدسترة القرينة وضرورة مراعاة قواعد براءة الذمة قبل حرمان أي شخص من حريته تحت تأويلات خاصة للنص القانوني.

ولهذا جعل المشرع الدولي والوطني تدبير الاعتقال هو الاستثناء وليس القاعدة، لأن الأولوية للحرية مبدئيا. ولأن سلب الحرية يكون في حدود ضيقة بما يهدد النظام العام في مستوياته الثلاثة، و لعله ما جعل المشرع المغربي يؤكد على أسبقية الانتصار للحرية، اللهم مع انعدام الضمانات أو خطورة الفعل الجرمي على نقيض الحق العام في السلامة النفسية والجسدية، واستثناء تراعى في حالات التلبس فقط.

وإن تمديد الاعتقال الى قضايا تخرج من نطاق وضع التلبس يعتبر تعسفا في حق قدسية الحرية التي تجعل قاعدة كل متهم بريئا إلى أن تثبت إدانته قاعدة ذهبية ضمن نسقية حقوق الإنسان. والسبب، والعلة في ذلك أن اكتشاف الخطأ في الحرمان من الحرية لا يمكن إصلاحه وجبره مهما كانت القيمة المرتفعة للتعويض سواء نقدا أو عينا أو معنويا؛ لأن الخطأ القضائي لا يجيز تقدير الحرية بميزان الحرمان منها.

فالحرية لا تقدر بثمن أخلاقيا وحضاريا وفلسفيا، وهي السبب الذي جعل القانون ينص على مبدأ البراءة وجعلها الأصل في كل شيء. وإن مجرد الإدانة لا تؤدي إلى الوضع في السجن إلا بعد صيرورة الحكم باتا لا تعقيب عليه بمختلف الطعون، وبالأدلة والبرهان.

وبين هذا وذاك يظهر مدى استقلال قضاء أي دولة في العالم، ويتجلى في مدى مراعاة الهدف والغاية الأساسية التي هي الحرية كمحك حقيقي في شرعنة العقاب، وهي تحقيق دولة الحق بما فيه الحرية بواسطة القانون تقديسا للحرية كهدف من خلال القضاء كوسيلة.

فالقانون ليس غاية في حد ذاته، والهدف ليس في تراكم المواد والنصوص والمدونات القانونية ، بل في تحقيقه لوظيفته وفلسفته في أنه وسيلة لحماية الحقوق وفي ضمان الإنصاف والعدل. ولا يمكن تصور هذه الحماية إلا بجعل الحياة تدب في النصوص القانونية بواسطة ضمائر حية لقضاة مستقلين عن الذات أولا، ومؤمنين بفضيلة الحق كقيمة فلسفية عليا تصون المجتمع من كل أشكال التعسف في نفاذ القوة المشروعة.

فالقاضي الذي لا يستطيع قمع عواطفه ونزواته وشهواته في علاقة بعمله ووظيفته المقدسة بقدسية التصرف في حرية المواطنين، لا يصلح لهذه الرسالة لأنه يزيغ عن قدسية القضاء، ولأن العدل أساس الملك. والاستقلالية بذلك ليست مرادفا للفوضى كما يعتقد بعض الذي يؤولون نفاذ القانون بقراءات سطحية تخدش وقار الحرية، وفي أسرة العدالة تحديدا حري فهم قيمة الأشياء قبل سبر أغوار الوضع رهن الإعتقال. وهم على فهم خطأ بهكذا تأويل مادامت الاستقلالية مؤطرة بضابط التطبيق السليم للقانون لصالح الحقوق و الحريات، و خارج ذلك لا يوجد مكان للمساءلة سوى تجريح أحكام القضاء.

- إشهار -

ونعتبر تكييف هذه المسؤولية في المقام الأول على أنها بمثابة حدود ذاتية للنهوض بالقاضي لمقاومة التأثيرات الخارجية بمختلف أشكالها وأنواعها درءاً للوقوع ضحية لهذه المساءلة التي قد تفقد القضاء هيبته تحت تداعيات التشكيك، ويعززها تجريم القانون لأعمال ومحاولات التأثير عليه من أية جهة خارجية كانت.

فالعبرة بالمنافع العامة التي يجنيها المجتمع من إقامة الإنصاف وتحقيق العدل لأن جلب المصلحة أولى من دفع المفسدة كما علمنا الأصوليون.

السلطة القضائية المستقلة أساس مُلْكِ الدولة والمجتمع، وليست أداة لاستصدار الحقوق والحريات. والسلطة القضائية ملاذ الحماية لكل من تم مس حقوقه وحرياته، بغض النظر عن مركزه؛ أهو فرد عادي أو شخصية عامة أو من أشخاص القانون العام بما فيهم الموظفون والدولة ومؤسساتها الاعتبارية.

والمغرب اختار منذ مطلع التسعينيات أن تكون الدولة في كفة متوازنة مع الفرد، وأن تكون مساوية له أمام القضاء، وهو التأكيد الذي يرمز إليه قانون المحاكم الإدارية مثالا لا حصرا.

وأمام القضاء، الذي لا يميز بين الواقفين أمامه سوى بالقانون المجرد مع استحضار مبدأ تفريد العقوبة مراعاة لظروف ارتكاب الفعل المخالف للقانون ولا يرجح في محراب عدالة القضاء بين الفرد والدولة سوى بالقانون في نبله و تجرده.

والقاضي النزيه لا يلجأ في أحكامه سوى إلى القانون واحتكام الضمير الحي واليقظ، وأن يعطي للحرية حمايتها، حصانتها وكفالتها القانونية، فهي مستقلة عن خصام الأطراف، نعم هي وسيلة للعقاب وتحقيق الردع، غير أن سلبها ومصادرتها المبكرة قد تسمى اعتداء على نعمة وفضيلة وحق الحرية المقدس، وتتحول الفلسفة من العقاب والردع الى انتقام ومن التصحيح الى التوريط.

*محامي بمكناس خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد