قطع الرؤوس وذبح النصوص
الموضوع، ببساطة، أن مدرسًا فرنسيًا دفعته لوثة الكراهية العنصرية البغيضة، فاستغل حصة دراسية لتوجيه إهانة بالغة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تحت زعم أنه يعلّم تلاميذه حرية الفكر والتعبير.
مراهق شيشاني الأصل من مواليد روسيا وابن للبيئة الفرنسية، لم يستوعب أو يصدّق أن المدرس قام بعرض الرسوم المسيئة للرسول الكريم بقصد ترسيخ مفهوم الحرية، فأقدم على ارتكاب جريمة بشعة، بقطع رأس المعلم.
الشرطة الفرنسية بدلًا من أن تلقي القبض على القاتل الفرنسي الصغير، بادرت بتصفيته جسديًا، باعتباره إرهابيًا، لتنزل الستار مبكرًا، من دون أن تحاول أن تفهم ماذا في عقل القاتل، ومن الذي عبأ رأسه بفكرة القتل، وكيف ومتى ولماذا. أيضًا، من المهم الأخذ بالاعتبار السياق الزمني الذي وقعت به الحادثة، إذ سبقها بأيام ارتفاع حادٌّ في مؤشّر العنصرية عند رأس الدولة الفرنسية، إيمانويل ماكرون، حين مارس استعلاء وازدراء ضد عقيدة نحو ملياري إنسان، هم مجموع المسلمين في أربعة أنحاء المعمورة، قال ماكرون إن دينهم في أزمة، فجاءه الرد سريعًا من امرأة فرنسية، عادت من الخطف في مالي ليستقبلها في باريس، باسم”مريم”، المسلمة عن قناعة ورضا، بعد أن كانت “صوفي” المسيحية.
الشاهد أن الحادث وقع في مناخ استقطابي مشبع بالكراهية والعنصرية، في دولةٍ تدّعي أنها الرائدة في فصل الدين عن السياسة، تحوّل رئيسها إلى بوق متطرّف في الانحياز ضد دين يعتنقه مليارا إنسان، وصار السيد ماكرون متورّطًا وغارقًا حتى أذنيه في الخلط بين السياسة والدين، بل وفي إخضاع السياسة للدين، والدين للسياسة، على طريقة المتطرّفين والدواعش، وإن كان في الاتجاه العكسي.
الشاهد أن السيد ماكرون يمثل النموذج الأوضح في مخالفة مبادئ الدستور الفرنسي وقيم الثورة الفرنسية، حين يخلط بين السياسة والدين، ويتفرّغ لانتقاد دين واحد بعينه، ممارسًا وصاية فكرية وحضارية على أتباع هذه الدين، حتى صار، عن جدارة واستحقاق، أحد صنّاع الاستقطاب والكراهية، وكأنه لم يعد يشغله شئ أكثر من إحياء المرارات التاريخية المرتبطة بإرث فرنسا الاستعمارية الغازية، وإشعال الحرائق مجدّدًا في ذاكرة الشعوب التي اكتوت بنار التوسع الكولونيالي.
على أن كل ما سبق لا ينهض مسوّغًا لتبرير أو تأييد جريمة قطع رأس المدرس الفرنسي، على يد التلميذ الفرنسي، إذ تسيئ هذه الجريمة إلى الإسلام، وإلى نبي الإسلام من حيث أرادت الدفاع عنه والانتصار له، كما أوضحت كل المراجع الفقهية المعتبرة في العالم الإسلامي، مثل الأزهر الشريف والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعديد من العلماء الثقات.
وتبقى الإشكالية في بعض الذين لا يريدون فهم أن حادثة قطع رقبة المدرس الفرنسي الذي أهان الرسول هي، بحد ذاتها، إهانة للرسول الكريم وللدين العظيم، كون مثل هذه الأعمال توفر المادة الخام للمتربصين لاصطناع أباطيل وأوهام وافتراءات ضد الدين الإسلامي، كما تلحق ضررًا بعشرات الملايين من المسلمين المهاجرين المندمجين في المجتمعات الغربية.
المعضلة الحقيقية في هذا المناخ المعبأ بالصراخ والهتاف أن بعضهم لا يريد أن يستوعب أن رفض جريمة قطع الرأس لا يعني الموافقة على إهانة الرسول العظيم.. كما أن آخرين لا يستطيعون فهم أن استشعار الألم والغضب لإهانة نبي الرحمة لا يعني أنك تبرّر قتل من يرتكب فعل الإهانة.
وهكذا تجد نفسك محشورًا بين تطرّفين، تطرف باسم العلمانية، تكتشف معه أنه ليس أسوأ من فوقية ماكرون سوى دونية بعض الماكرونيين العرب، من الجائلين هنا وهناك بحقائب التنوير الزائف والحداثة الكاذبة. كما أنه ليس أسوأ من ذبح المدرس المسكون بالكراهية سوى ذبح النصوص ولي عنق الفقه الإسلامي لتبرير الجريمة، وتصنيفها بطولة انتصار للرسول عليه الصلاة والسلام.
ربَّنا لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا ومنهم.