الأستاذات قادمات
كل اللواتي، نجحن في مباراة التعليم، اتخذن الممثلة فاطمة خير، بعد مشاهدتهن فيلم قسم ثمانية، قدوة لهن. إنهن لا يردن إنقاذ رفيق بوبكر من الانتحار، بل إنقاذ المدرسة من الانهيار. ولو علم الشاعر المصري حافظ إبراهيم، أن المدرسة، التي أوصى بإعدادها، أصبحت حقيقة، لرقص فرحا في قبره. خلقت المرأة لتكون مربية لمن سيعمل في كل مصنع، لا لتكون عاملة في المصنع. الرجل يثير الفوضى في العالم، والمرأة تأتي لتنظم العالم، هذه خلاصة غابرييل غارسيا ماركيز، من خلال تأمله في أسرته، التي حكمتها النساء. المرأة طموحة بطبعها، تريد أن يشبه عقلها عقل رئيسة وزراء نيوزيلاندا جاسيندا أرديرن، لا أن يشبه وجهها وجه ياسمين صبري. إنهن في المقدمة، وإن كان العالم يراقبهن من المؤخرة.
ما يحتاجه التلميذ المغربي، هو الحب، وهذه النسمة الطيبة، تحتاج إلى قلب أستاذة. يمكن للأستاذ أن يضبط التلاميذ في الظاهر، لكنهم يكرهونه في الباطن. إذا أحبك التلميذ، سيستجيب لكل ما تأمر به، ولو اختبرته بامتحانات الخَضِر لموسى. إن حب الأُستاذةِ يصنع رجال الغد، ولولا هذا الحب، لما كان إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا. سينقرض شغب التلميذ في مدارسنا، بمصاحبته كصديق وحبيب، لا بمثوله في قفص التأديب. سينقرض الكسل في مدارسنا، بتدبر التلميذ لدروسه كعاشق، لابتلصصالتلميذعلىدروسهكسارق. ينكس التلميذ رأسه حدادا على مأساة ملامح وجه أستاذ شاحب، فيشرد تركيزه، لكن أستاذة، وجهها كوجه مايسة سلامة الناجي، سيجعله متشوقا لرؤيتها، وسيكتظ قسمها، بجميع تلاميذ المؤسسة، وستحضر الأطر التربوية والإدارية، لمتابعة الدرس في العينين العسليتين، والأنف المنقاد، والشفتين المكتنزتين، والوجنتين المتوردتين، بشرط أن تدرسهم عن بعد. تحضر الأستاذة في القسم، فيحل فصل الربيع، وإذا حضر الأستاذ، حل فصل الملاحقات الأمنية، لتفكيك الشبكات المشاغبة. ينسى التلميذ كل الدروس، لكنه يتذكر دروس الأستاذة البهية، التي بألوان ملابسها، تشبه حديقة ماجوريل. لا أحد يتكلم عن السر الحقيقي، الذي وراء نكسة التعليم، إنه الأستاذ الذي يقتدي بأناقة كبور. شرط انبساط النفس، أن يرى التلميذ، مثل ما كان يراه ولي العهد مولاي الحسن، من بهاء في مدرسته. نظن أن العقل آلة ميكانيكية، والحقيقة، أن هذا العقل لا يتذوق المعرفة إلا إذا استمتع بالجمال. إن العلم بطبعه منقبض، ولا تظهر أساريره، إلا بنكتة مضحكة، أو بسمة آسرة. لا يميز التلاميذ بين أستاذ وأستاذ، بحسب الكفاءة العلمية، بل بحسب الأسلوب الأنيق في التعامل والتعليم. تفوقت الأستاذة على الأستاذ، لا في العِلم، بل في الأسلوب. الأبناء أكثر قربا من أمهم، لا من أبيهم، لأن أسلوبها يحتوي المتناقضات، ولذلك أحب المغاربة الممثلة سعاد صابر، التي تذيب الحديد، برنة صوتها الحنون. المرأة حل، والرجل مشكلة، ولولا أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية، لتفرق شمل الجيش الإسلامي.
لو قالت المندوبية السامية للتخطيط: إن سر فشل التلاميذ في دراستهم، هو عدم تعطر الأستاذ بالروائح الزكية؛ فإن المغاربة سيسخرون من الحليمي، وسيتهمونه بالتسويق لماركة جديدة، في العطور الفاخرة. والحقيقة، أن النفس تنبسط، إذا استنشقت عطرا، ينفد إلى روحها، وتأبى أن تنقبض، فتسمح للمعارف، أن تنساب دون حسيب أو رقيب.ما أجمل أن تدرسك أستاذة، كلما شممت عطرها، إلا وتذكرت قصتها! إنهن قادمات، كباقة ورد، احتفاء بالمدرسة المنكوبة. أزمة التعليم غير معقدة، وحلولها بسيطة جدا. خُطف تلميذنا مِن أيدينا، وأصبح رهينة، عند المغنيات والممثلات والعارضات والروتينيات، لأنه يحب متعة الحياة. ولا حل لتحريره من الأسر، إلا بجيل جديد من الأستاذات، يُحبِّبن له العلم والمعرفة، دون أن يقع في حبهن، فتتحول مدارسنا إلى مسلسلات العشق الممنوع. ولكن لا يمنع أن تكتمل قصة الحب في القسم، بتمرين تطبيقي خارجه، على سنة الله ورسوله.
إنهن قادمات، يرفعن شعارهن الطموح: “قادمات قادمات.. هن هن الأستاذات”. ارحل أيها الأستاذ العنيد، ولا تستنجد بإسرائيل أو أمريكا أو روسيا، لتبقيك ملتصقا بكرسي القسم. غادر في أمان، وإلا سَيَسْجُنَّك، ثم تنقل تلفزيونات العالم محاكمتك، فيتهمنك بالتهم الآتية: كراهية التلميذ؛ شحوب الملامح؛ ملابس غريبة؛ روائح غير زكية؛ تكديس ثروة عجزت فوربس عن إحصائها. غادر، أترك لهن الكرسي، وعد إلى منزلك سليما معفى، إلا من الضغط الدموي، وقد كسبت حريتك إلى الأبد.