مواجهة الحكومة مع مؤسسات الحكامة.. تكامل أو كسر عظام؟


أعادت بعض التصريحات التي أدلت بها، أمس الأربعاء 15 يناير الجاري، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، النقاش مجددًا بشأن اختلاف الأرقام والمعطيات التي تقدمها الحكومة المغربية وتلك التي تقدمها مؤسسات الحكامة.

 

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    في وقت سابق، انتقد بعض أعضاء الحكومة المغربية، وعلى رأسهم رئيسها عزيز أخنوش، بعض المعطيات التي حملتها بعض مؤسسات الحكامة بسبب اختلافها مع معطيات الحكومة أو بسبب “توقيت النشر الذي لم يخدم مصلحة السلطة التنفيذية ومكوناتها”.

     

    وخصص المُشرّع الباب الثاني عشر من دستور 2011 لمبادئ الحكامة الجيدة و مؤسساتها حيث نص في الفصل 155 على أن هاته الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة و تستفيد من دعم الدولة .

     

    يمكن تصنيف هذه المؤسسات إلى مؤسسات حقوقية كمؤسسة الوسيط، مؤسسة الجالية المغربية المقيمة بالخارج، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومؤسسات الحكامة الجيدة كالهيئة العليا للإتصال السمعي البصري والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ومجلس المنافسة.

     

    انتقادات الحكومة لمؤسسات الحكامة

     

    في ماي 2024، وخلال جلسة بمجلس المستشارين، انتقد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، تقريرًا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الشباب الذين لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين (NEET). حيث أعرب أخنوش عن استغرابه لتوقيت نشر التقرير، متسائلًا عن إمكانية وجود توظيف سياسي واستهداف للحكومة، خاصة أنه تزامن مع عرض الحصيلة المرحلية للحكومة. وأشار إلى أن التقرير لم يأتِ بجديد، مؤكدًا أن حزبه سبق أن تناول هذه القضية في برنامج “مسار الثقة”.

     

    وخلال جلسة عمومية لمناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات، في يونيو 2023، أعرب رئيس مجلس النواب المغربي، رشيد الطالبي العلمي، (ينتمي لحزب رئيس الحكومة) عن تحفظاته على منهجية المجلس في إعداد تقاريره. وأشار إلى أن هذه التقارير تركز بشكل كبير على رصد الاختلالات والنقائص، متجاهلة الإنجازات والإيجابيات في تدبير الشأن العام. وأكد العلمي أن هذا النهج قد يعطي انطباعًا بأن الفساد مستشرٍ في البلاد، مما يسيء إلى صورة المغرب ويغفل التراكمات الإيجابية التي حققها على مدى قرون.

     

    وفي نفس السياق، انتقد الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، في أكتوبر 2024، الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ردًا على تقريرها السنوي الذي أشار إلى ضعف تفاعل الحكومة مع توصياتها.

     

    وأعرب بايتاس، ضمن نفس التصريح، عن اندهاشه من عدم الاعتراف بجهود الحكومة في مكافحة الفساد، مشيرًا إلى ارتفاع عدد المتابعات القضائية المتعلقة بالفساد واعتماد مرسوم جديد للصفقات العمومية. كما أكد أن محاربة الفساد مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمؤسسات الدستورية الأخرى.

     

    وفي نونبر 2024، دافع بايتاس عن قرار الحكومة بتقليص ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لعام 2025، موضحًا أن ذلك يعود إلى تجاوز الهيئة لمرحلة التأسيس التي تتطلب نفقات أعلى، وأن الميزانية الحالية تتناسب مع احتياجاتها التشغيلية.

     

    لزرق ينتصر لتقارير مؤسسات الحكامة

     

    تعليقًا على هذا الاختلاف، ذكّر رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، رشيد لزرق، أن “مؤسسات الحكامة هي مؤسسات استشارية وتقاريرها غير ملزمة، في حين الحكومة هي التي تملك الحق في التقرير وسن السياسات العمومية”.

     

    - إشهار -

    وأضاف لزرق، ضمن تصريح لموقع “بديل”، “في اعتقادي، المعطيات الأقرب للصواب هي تلك الصادرة عن مؤسسات الحكامة، لأن هذه الأخيرة غير خاضعة لأي أجندة سياسية، عكس الحكومة الملزمة بتقديم أرقام ومعطيات تخدمها وتخدم صورتها أمام الناخبين وتظهر أنها تشتغل وتنفذ برنامجها”.

     

    وبخصوص انتقادات بعض وزراء الحكومة، وبعض المقربين منها، لتقارير مؤسسات الحكامة، أوضح لزرق “هي مجرد ‘فدلكات’ ومحاولة للهروب من الواقع، لأن بعض الأرقام التي تقدمها هذه المؤسسات محرجة للحكومة، وأكبر مثال على ذلك نسبة البطالة التي تجاوزت الـ21 في المائة وفق المندوبية السامية للتخطيط”.

     

     

    أوجار.. مؤسسات الحاكمة لها لون سياسي واحد

     

    وانتقد وزير العدل السابق، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، محمد أوجار، خلال مشاركته في ندوة من تنظيم مؤسسة الفقيه التطواني، في نونبر الماضي، ما اعتبره “سيطرة” تيار واحد، يقصد به حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على رئاسة كل مؤسسات الحكامة.

     

    وقال أوجار، حين كان يتحدث على رؤساء مؤسسات الحكامة: “كلهم ينتمون لتيار سياسي يساري سواء تعلق الأمر بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وباقي المؤسسات “.

     

    الشامي مستاء

     

    وجدير بالذكر أن رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، عبّر، في وقت سابق، عن استيائه من تجاهل الحكومة لتقارير وتوصيات المجلس. وأشار إلى أن الحكومة لم تتفاعل بشكل كافٍ مع المقترحات المقدمة، مما يثير تساؤلات حول جدية التعاون بين المؤسستين.

     

    ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق

     

    في ظل هذه التوترات، دعا مراقبون إلى ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق بين الحكومة ومؤسسات الحكامة، باعتبار أن تكامل الأدوار بين الجهتين يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والاستجابة لتطلعات المواطنين.

     

    هذه التفاعلات تبرز الحاجة إلى حوار بنّاء بين الحكومة والمؤسسات الدستورية الاستشارية، لضمان استثمار الجهود المشتركة في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحة، وتحقيق الأهداف التنموية للمملكة.

     

     

    ومن نافلة القول ان الخلافات بين الحكومة المغربية ومؤسسات الحكامة ليست بالضرورة مؤشرًا سلبيًا، بل قد تكون جزءًا من دينامية التفاعل المؤسساتي في إطار الديمقراطية التشاركية. ومع ذلك، تحتاج هذه الخلافات إلى إدارة حكيمة من خلال تعزيز التنسيق والحوار لضمان تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد