ما نصيب الإعلام الامازيغية من دسترة اللغة الأمازيغية في المغرب؟
احتفت صحيفة “العالم الأمازيغي” مؤخرا بمرور 23 عاما على تأسيسها، وهي تعتبر “المقاولة الإعلامية الوحيدة” في المغرب التي تقاوم التحديات التي تواجه الإعلام الأمازيغي، رغم مرور سنوات على دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية.
وعبّر نشطاء وباحثون في مقالات رأي، احتفاء بالمناسبة، عن اعتزازهم بالصحيفة، التي بقيت “صامدة” لأكثر من 20 عاما في وجه التحديات التي تواجه قطاع الإعلام المكتوب بالمغرب بشكل عام والأمازيغي بشكل خاص.
في هذا الصدد، قال محمد الغيداني، الإعلامي وصاحب كتاب “الإعلام السمعي البصري الأمازيغي ومسألة الهوية”، إن استمرار صدور “العالم الأمازيغي”، “يمنحها صفة أقدم جريدة أمازيغية ويجعلها أرشيفا مهما يؤرخ العديد من الأحداث التي مرت بها الحركة الثقافية الأمازيغية”.
وتابع في مقال نشرته الصحيفة: “كما يجب ألا نغفل الدور التكويني للجريدة التي أصبحت مدرسة ساهمت في تكوين وتلقين مبادئ الممارسة الصحفية لعدد من الأسماء التي أصبحت نجوما في سماء الإعلام السمعي البصري الأمازيغي”.
من جانبه، قال عضو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لحسين مجاهد، إن الصحيفة “من قلائل المنابر المرصودة حصرا للأمازيغية، والتي تمكنت بصمودها من انتظام الإصدار في المشهد الإعلامي الأمازيغي”.
وتكررت كلمة “صمود” في مجمل الآراء التي عبر عنها نشطاء وباحثون في احتفائهم بذكرى تأسيس الصحيفة، مشيدين بنجاحها في مواصلة الصدور بثلاث لغات، أمازيغية وعربية وفرنسية.
وتعليقا على هذه التجربة، عبرت مديرة ورئيسة تحرير الصحفية، أمينة بن الشيخ، في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، عن سعادتها بمرور 23 عاما على التأسيس، قائلة: “شعوري ممزوج بالفرح والافتخار، كون هذا المنبر الإعلامي الأمازيغي الوحيد الذي فعلا صمد كل هذه السنين”.
وتابعت: “نعم أقول صمود لأنه ليس من السهل على جريدة ذات مضامين أمازيغية وبثلاث لغات وكل لغة بحروفها، كتجربة أولى في المغرب، أن تستمر خصوصا مع البدايات، أي قبل الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب”.
وعادت بن الشيخ، التي تشغل أيضا منصب المكلفة بملف الأمازيغية في الحكومة المغربية، إلى بدايات “العالم الأمازيغي”، مؤكدة أن الجريدة اعتمدت على مدار 6 سنوات بعد تأسيسها على التمويل الذاتي، مضيفة: “لم تتلق الجريدة دعم الدولة إلا بعد معركة طويلة مع وزارة الاتصال آنذاك، وكان الدعم بعد ربح هذه المعركة أدنى أو أقل دعم، ومع ذلك قبلنا التحدي واستمرت الجريدة، وما زالت المعاناة مستمرة للأسف، خصوصا أن الدولة أوقفت دعم الورق وباقي المصاريف، وأبقت فقط على دعم أجور الصحفيين”.
وأفاد رشيد راخا، الناشط والصحفي بـ”العالم الأمازيغي”، في حوار سابق مع “أصوات مغاربية”، بأن الصحيفة “مستمرة في الصدور رغم مجموعة من التحديات”.
وقال حينها: “لتوضيح الصورة، باستثناء إعلانات فاعل عمومي في الاتصالات ومؤسسة بنكية، لا تحصل الصحيفة على أي دعم، حتى أن الدعم العمومي المقدم للصحفية تقلص في الآونة الأخيرة إلى 160 ألف درهم سنويا وبالكاد يكفينا لتغطية أجور الصحفيين، بينما لا يتجاوز دعم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية 4000 دولار سنويا”.
“صحافة ثقافية احتجاجية”
شهد المغرب ميلاد الصحافة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث ظهرت صحف ومجلات كان بعضها ناطقا باسم القوى الاستعمارية.
ولم تشهد البلاد ميلاد صحف ناطقة أو مدافعة عن الأمازيغية إلا في سبعينيات القرن الماضي، أي بعد تأسيس الحركة الأمازيغية.
ويميز الباحث في الثقافة الأمازيغية، أحمد عصيد، بين المراحل التي شهدتها هذه الصحافة بالقول، إنها انطلقت في بداياتها “كصحافة ثقافية وتطورت نحو خطاب سياسي أو ثقافي مسيس أكثر فأكثر”.
وأضاف في شهادة وردت في كتاب “الصحافة الأمازيغية المكتوبة في المغرب بين النشأة والتطور” لكاتبه التجاني بولعوالي: “انطلقت الصحافة الأمازيغية كصحافة احتجاجية مناضلة ضد سياسة الدولة المغربية المفرطة في تمركزها والقائمة على قواعد لعبة إقصائية وانتقائية، ثم مرحلة ثالثة كصحافة مستقلة عن الدولة وعن الأحزاب السياسية، مما جعلها تبدو كصحافة تمارس نوعا من ‘العقوق’ الثقافي والسياسي ضد ما هو سائد”.
من بين تلك التجارب، صحيفة “أمازيغ” التي ظهرت أوائل الثمانينيات وعرفت بجرأتها في تناول المسألة الأمازيغية بالمغرب، حتى أنها توقفت عن الصدور بعد عددها الأول بسبب مقال كتبه الناشط علي صدقي أزيكو، اعتبرته السلطات حينها “مساً بأمن الدولة” لتعتقله ويصنف كأول معتقل سياسي أمازيغي في تاريخ البلاد.
“الأمازيغ”؛ هم من سلالة سكان شمال أفريقيا، قبل وصول العرب. يعيشون في مجتمعات متفرقة في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر ومالي والنيجر وموريتانيا، ويتحدثون لهجات أمازيغية مختلفة، واليوم يواجهون صراع هوية.
حضور إذاعي “محتشم”
عرف المغرب الصحافة الإذاعية منذ عام 1938، تحت اسم “راديو ماروك”. وكانت الإذاعة خلال تلك المرحلة تخصص 10 دقائق لتعبير تشلحيت (أمازيغية الجنوب)، ثم امتد البث إلى 12 ساعة معدل 4 ساعات يوميا في منتصف سبعينيات القرن الماضي.
وفي عام 2020، أعلنت الإذاعة الأمازيغية الحكومية المغربية عن بث برامجها على مدار 24 ساعة متواصلة، لتغطي هذه البرامج مختلف التعابير والمواضيع التي تهم أمازيغ المغرب.
أما على مستوى الإذاعات الخاصة، فبقي حضور الأمازيغية فيها محتشما حتى اليوم، ومحدودا في بعض الإذاعات على غرار “راديو دوزيم” وإذاعة “ميد راديو”، رغم ما عرفه الإعلام الخاص بالمغرب من تطور وانتشار.
انفتاح و”كوطا”
تلفزيونيا، شكل إعلان الملك الراحل الحسن الثاني أوائل التسعينيات عن إدراج “نشرة اللهجات الأمازيغية” لأول مرة في التلفزيون العمومي، حدثا مفصليا في تاريخ الإعلام الأمازيغي بالمغرب، حيث استمتع أمازيغ البلاد لأول مرة بمشاهدة نشرات ناطقة بلغتهم.
وفي عام 2010، أطلق المغرب أول قناة عمومية ناطقة باللغة الأمازيغية، في حدث آخر وصفته الحركة الأمازيغية بالمغرب بـ”التاريخي”.
وتبث القناة “الثامنة” برامجها بدءا من الساعة 12 ظهرا وتستمر في البث حتى الثانية بعد منصف الليل، وهي تعمل على متابعة المسألة الأمازيغية بالمغرب، مع تخصيص حيز مهم للثقافة الأمازيغية المغربية بمختلف ألوانها.
وتعليقا على حضور الأمازيغية في الإعلام العمومي بشكل عام، طالب “المركز المغربي للإعلام الأمازيغي” في بيان صدر العام الماضي، بإلغاء ما وصفه بـ”منطق الكوطا” في الإعلام العمومي، وبالرفع من حصة الأمازيغية بشكل متساو مع العربية، في إشارة إلى دفتر تحملات الإعلام العمومي الذي يلزم القنوات العمومية بتخصيص 30 بالمئة من برامجها للأمازيغية.
وجاء في البيان: “لابد من إعادة النظر في منطق التقسيم الزمني لحصة الأمازيغية بالقنوات والإذاعات الرسمية، واعتماد المساواة فيه عبر تمكين الأمازيغية من حضور.. يتساوى مع العربية، في جميع القنوات”.
وأضاف متسائلا: “لا يمكن حشر الإعلام الأمازيغي في قناة تلفزية واحدة، دون المستوى، من أصل 11 قناة رسمية، أي عدل وأي منطق هذا؟ فإذا كنا نتحدث بمنطق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، فللأمازيغية الحق في التواجد بنفس نوع ومدة حضور العربية”.
وبالنسبة للصحافة الإلكترونية، يظل موقع “العالم الأمازيغي” أيضا من بين المواقع الإلكترونية الأمازيغية القليلة بالمغرب، إذ لا تنافسه غير النسخة الأمازيغية من وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية، وموقع مجلة “زيك ماكازين” التاريخية.
أثار غياب الأمازيغ عن لجنة رسمية للخبراء مهمتها تجديد وملاءمة المناهج والبرامج التعليمية استياء في أوساط أمازيغ المغرب في خطوة اعتبروها تراجعا بعدما أن استشبروا خيرا هذا بالاحتفاء بالسنة الأمازيغية لأول مرة بالمملكة.
الأسباب
وتعلق بن الشيخ على هذا الحضور المحتشم، بالقول: “للأسف، فإنه من الصعب أن يستمر الإعلام، سواء المكتوب أو السمعي البصري، دون دعم أو إشهار.. وإذا استمر دون دعم فسيكون بالتأكيد ناقصا ولن يبلغ المقصود”.
ولا تتوفر إحصائيات رسمية توضح حجم استفادة الإعلام الأمازيغي من الدعم الحكومي، حيث يكتفي المسؤولون من حين لآخر بالتأكيد على وجود إرادة سياسية لنهوض بالإعلام الأمازيغي.
من جانبه، عزا الإعلامي الأمازيغي رشيد بوقسيم، التحديات التي تواجه الإعلام الناطق بالأمازيغية بالمغرب، إلى ضعف الدعم العمومي وضعف تكوين المشتغلين فيه.
وقال بوقسيم في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، إن الإعلام الأمازيغي الحالي “لا يؤثر ولا يزعج” وفق تعبيره، مضيفا: “الإعلام الرسمي مثلا متخلف لا يساير العصر، أما الإعلام الخاص فأرى أنه لا يضم إعلاما مستقلا باستثناء بعض البرامج التي تبث على اليوتيوب”.
وتابع: “الإعلام الأمازيغي لم يساير للأسف الدينامية التي يعرفها المجتمع لأن النضال لا يكفي، ونحتاج إلى مهنيين دارسين للإعلام، وهنا لا بد من أن يركز المعهد العالي للإعلام والاتصال على تكوين صحفيين ناطقين باللغة الأمازيغية لأن التكوينات والورشات الموسمية القصيرة لا تفيد”.
ودعا بوقسيم الجهات الحكومية إلى الرفع من دعمها المقدم للإعلام الأمازيغي، حتى “يجد المواطن نفسه وذاته في الإعلام”، وفق تعبيره.
من جانبها، وتعليقا على ضعف الدعم المقدم للصحافة الأمازيغية، أضافت بن الشيخ أن الحكومة الحالية “لم تغفله”، موضحة: “أُدرج كمشروع أساسي من بين المشاريع التي تضمنتها خارطة الطريق التي وضعناها خلال هذه الولاية، خارطة الطريق التي أخذناها من المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، في احترام تام للمراحل التي نص عليها الفصل 31 من القانون 16/26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.
المصدر: موقع الحرة