التحرش بالجامعات.. خطوة نحو “كسر صمت” الضحايا
أصدر “ائتلاف 490” الحقوقي دليلا رقميا عن التحرش الجنسي في الجامعات المغربية، للتوعية بخطورة الظاهرة بالوسط الجامعي وخارجه، وتشجيع ضحاياها على تجاوز مشاعر الخوف والإبلاغ من أجل ضمان عدم إفلات المتورطين.
ويأتي إعداد الدليل، بحسب الائتلاف المعروف بحركة “خارجة عن القانون”، بأهداف “كسر حاجز الصمت” بشأن قضايا التحرش الجنسي، ونشر المعلومات القانونية، وإعطاء إجابات عملية للطلبة والضحايا و/أو الشهود، وتشجيعهم على الإبلاغ، إذ لا يزال عدد كبير من الضحايا يتجه إلى خيار الصمت خوفا من الانتقام أو الوصم.
“كسر الصمت”
كريمة رشدي، عضو ائتلاف “409”، تقول إن إصدار الدليل جاء في أعقاب فضيحة “الجنس مقابل النقط” التي سجلت بالأوساط الجامعية المغربية، وبعد تلقي المنظمة الحقوقية رسائل تطلب فيها ضحايا تحرش المساعدة والتوجيه.
وأثيرت قضية الابتزاز المعروفة إعلاميا بـ”الجنس مقابل النقط”، عام 2022، بعد انتشار رسائل جنسية على شبكات التواصل الاجتماعي بين أحد الأساتذة المتهمين وطالباته.
وتوالت سلسلة الفضائح بعد أن كشفت طالبات أخريات بعدد من المؤسسات الجامعية المغربية، عن تعرضهن للتحرش أو الابتزاز الجنسي، وشاركن قصصهن على منصات التواصل الاجتماعي، مما استدعى إطلاق ملاحقات قضائية، سُجن وأوقف على إثرها عدد من الأساتذة والمسؤولين الجامعيين.
الناشطة الحقوقية، توضح أنه بعد مشاركة الائتلاف في الحملة الواسعة للكشف عن حوادث التحرش، أطلق مبادرة لمرافقة وتقديم الدعم النفسي للمتضررين، توجت، أمس الثلاثاء، بإصدار الدليل الذي يهدف إلى رفع الوعي بخطورة هذه الظاهرة والوقاية منها ومحاربتها.
والدليل الذي يحمل عنوان “يا ربي نكون غير كانحلم”، كتيب رقمي من 20 صفحة على شكل قصة مصورة رسمتها الفنانة المغربية، زينب فاسيكي.
وتواجه بطلة القصة “نجية”، سلسلة مواقف وحوادث تحاكي تجربة أو تجارب شابة كانت عرضة للتحرش من طرف أستاذها الجامعي.
ويوجّه الإصدار من خلال قصة “نجية”، الضحايا نحو الآليات المتاحة، والخطوات التي يجب اتباعها لرفع شكاوى لدى السلطات المختصة، وأيضا طريقة التعامل مع الضغوط النفسية التي يفرضها التعرض للتحرش، والسبل المثلى لمواجهة التصورات الجاهزة لدى بعض الأسر المغربية، أو لدى رجال القانون والأمن الذين يذهبون نحو تحميلها مسؤولية ما جرى.
وخلال السنوات الأخيرة، أثارت منظمات نسائية مغربية ووسائل الإعلام، قضايا تحرش جنسي، ضحاياها طالبات جامعيات، غير أن غالبية تلك القضايا لم تتحول إلى شكاوى. أما تلك التي تحولت إلى شكاوى قضائية بقيت معظمها من دون متابعة.
وفي هذا الجانب، توضح رشدي، أن حوادث التحرش التي تفجرت مؤخرا، لم يتبعها “تقنين أو خطوات” تتصدى للظاهرة بشكل صارم في الوسط الجامعي.
وتشير المتحدثة إلى أن الإجراءات اقتصرت على توقيع عقوبات بالسجن والطرد بحق الأساتذة المتورطين، في حين تمثل مطلب الجمعيات الحقوقية في الذهاب أبعد من ذلك عبر إصلاح شامل وجذري يشدد العقوبات فيما يخص التحرش بالجامعات والمدارس.
وتضيف رشدي، أن الكثير من من ضحايا التحرش في الجامعات “لم ينصفن”، مما اضطر عددا منهن لمغادرة مقاعد الدراسة، أو النزوع لخيار الصمت، خشية الانتقام والوصم الاجتماعي.
ويبقى الإبلاغ عن حالات التحرش خطوة نادرة جدا في المجتمع المغربي عامة، إذ تختار ضحاياه الصمت خوفا، أو “حفاظا على سمعة العائلة”.
من جانبها، تقول رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، بشرى عبدو، إنه بعد حوادث “الجنس مقابل النقط”، أصبحت الطالبات “أكثر جرأة وقوة للوقوف في وجه المعتدين، مهما كانت سلطتهم أو نفوذهم”، مؤكدة أن تلك الوقائع ساهمت في إخراج الملف من “دوامة التابو والمحظورات”.
وتوضح الناشطة الحقوقية في حديثها لموقع “الحرة”، أن الإشكالية المطروحة في قضايا التحرش الجامعي، ترتبط، ببعض الحالات التي يرفض القضاء النظر فيه بدعوى “تقادمها”.
وتقول عبدو، إن المنظمات النسائية بالمغرب تترافع وتطالب السلطات بفتح هذه الملفات، إذ أن الخوف، كان السبب وراء عدم إثارتها في حينها.
وفي العام 2018، وبعد نقاش طويل استمر سنوات، دخل إلى حيّز التنفيذ قانون يعاقب بالحبس على ممارسات “تعتبر شكلا من أشكال التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة”.
ويحظر القانون في مادته 503، التحرش الجنسي بالنساء في الأماكن العامة. وتزداد العقوبة إذا كان الجاني زميل عمل، أو وكيل أمن مكلف بـ”حفظ النظام في الأماكن العامة وما شابه ذلك”، أو أحد الأوصياء القانونيين للضحية، أو أي شخص له سلطة على الضحية، أو شخص مؤتمن عليه برعاية الضحية، أو إذا كان قاصرًا.
ورغم الملاحظات المسجلة بشأن هذا النص، تقول عبدو، إنه يوفر الضمانات القانونية أمام جميع الضحايا من أجل التبليغ ومباشرة الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة لمحاسبة المعتدين، وخاصة إذا توفرت الإثباتات والدلائل التي توثق الممارسات أو السلوكيات التي كن ضحايا لها.
وتشير المتحدثة ذاتها إلى أن عمل المنظمات الحكومية وغيرها، ينبغي أن ينصب على تشجيع ضحاياه على رفع الشكوى لدى الجهات المختصة، وعدم السكوت عنها، كما فعلت الشابات الشجاعات اللائي فضحن ما تعرضن له.
وفي سياق متصل، تشير الناشطة الحقوقية، إلى أن مخاوف تثار في بعض الحالات، من إمكانية تلفيق تهم مجانية أو انتقامية، الأمر المرفوض أخلاقيا وقانونيا، غير أنها تؤكد أن الأصل في هذه القضايا دعم الضحايا المدعوات جميعا للتبليغ، حيث تتوفر لهن كل ضمانات الحماية القانونية.
المصدر: موقع “الحرة”.