المعرض الدولي للفلاحة.. هل يكون “فشل أخنوش” هو السبب وراء ابتعاد الملك عنه وغياب ولي العهد عن افتتاحه؟!


بعد كل الاستعدادات والتحضيرات على قدم وساق، غاب ولي العهد الأمير مولاي الحسن، عن افتتاح فعاليات المعرض الدولي للفلاحة، يوم الثلاثاء 2 ماي 2023، وترك القيام بذلك لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات السابق عزيز أخنوش وكاتبه العام السابق والوزير الحالي لنفس الوزارة ليقوما بنفسيهما بهذه المهمة.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    غياب “سْميتْ سِيدِي”، التي يُلقب بها ولي العهد، عن افتتاح الدورة الخامسة عشرة للمعرض الدولي للفلاحة، الذي يُقام كل سنة بمدينة مكناس، أثار العديد من التأويلات والقراءات، خصوصًا مضمون الشعار “المهزوز”، الذي خصصه عزيز أخنوش لنسخة هذه السنة، والذي يقول: “الجيل الأخضر.. من أجل سيادة غذائية مستدامة”…

    هذا الشعار، من الوهلة الأولى لقراءته، يكتشف المرء أنه شعار “كاذب”، لأن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ومعه وزيره محمد صديقي، فشلا معا في تحقيق “الأمن الغذائي”، الذي كان يهدف إليه الملك، من خلال تعليماته، التي وجهها إلى أخنوش نفسه غداة إطلاقه لـ”مخطط المغرب الأخضر” سنة 2008، فبالأحرى أن يتباهى اليوم بـ”السيادة”، وكأن لديه قدرة “سحرية”، لا تتوفّر حتى لأعتى الدول، على تحقيق شعار دورة هذه السنة “من أجل سيادة غذائية مستدامة”…

    هذا الشعار بالطبع لن ينطلي على “القصر”، لسبب واحد هو أن مضمونه مجرد “كذب” مفضوح، لأن عاهل البلاد الملك محمد السادس اضطر، في 16 فبراير 2022، إلى التدخل بنفسه والاستجابة لصرخات الفلاحين الصغار والمتوسطين، الذين ظلوا، لعدة شهور، يستغيثون ويرفعون أصواتهم بالشكوى ويطلبون الدعم من حكومة الملياردير عزيز أخنوش، التي تركتهم لأقدارهم يواجهون الفقر والتهميش، بسبب تفاقم معاناتهم من التدهور البيئي، في ظل شح الأمطار وصعوبة الحصول على مياه الري، والارتفاعات المهولة في أسعار الأعلاف والبذور والأسمدة… حتى تسبب أخنوش ووزيره في الفلاحة في “قتل” 2,5 مليون بقرة حلوب.

    كان ذلك بسبب تأخر الأمطار لأربعة أشهر فقط أوصل الفلاحين في المغرب إلى وضع كارثي؟! لأن السي عزيز أخنوش وكاتبه العام الصديقي كانا قد “كذبا” على الفلاحين وعلى الملك نفسه حينما أعلنا، في افتتاح المناظرة الوطنية التاسعة للفلاحة بمكناس، بتارخ 17 أبريل 2017، أن “مخطط المغرب الأخضر وضعَ الحفاظَ على الموارد المائية في صلب أولوياته”، وكان شعار المناظرة وقتها هو “إمدادات الماء، الفلاحة والأمن الغذائي”، دون أن ينجح، يوما، في تحقيق التوجيه الملكي سواء بالنسبة لـ”الماء” أو “الأمن الغذائي”، 16 سنة من “حكم أخنوش للفلاحة” والمغرب مازال يلتجئ إلى صلاة الاستسقاء، وأقدار فلاحيه مقرونة بما “قد” تجود به السماء، ومصائر مواطنيه باتت مربوطة ليس فقط بأبقار البرازيل، بل بكثير من المنتوجات الأساسية بما فيها الحبوب وحتى البذور والأسمدة والأعلاف، بحكم السياسة الفلاحية المنتهجة، التي ترهن “سيادة” المغرب، باستيراد بذور العديد من المنتوجات الغذائية لزراعتها في أراضي مغربية، بأيادي مغربية، وبمياه مغربية، لإعادة تصديرها الخارجي بتجاهل لمتطلّبات الاستهلاك الداخلي.

    لذلك، فشعار أخنوش الفلاحي كاذب ومناور أيضا، لأنه يوحي أن بلادنا حقّقت “السيادة الغذائية”، وأن المطلوب اليوم فقط هو “استدامة” هذه السيادة! فضلا عن الخلط الفاضح في الشعار بين “السيادة” و”الأمن” الغذائيين!

    “السيادة الغذائية” تعني إنتاج “كل” ما تحتاجه البلاد، من الحبوب والخضراوات والفواكه واللحوم إلى ما تستلزمه من بذور وأسمدة وأعلاف، وهذا غير متاح ليس في المغرب وحده وإنما في جميع بلدان المعمور، بينما “الأمن الغذائي”، هو الوصول إلى إنتاج الحد الأقصى من المنتوجات الغذائية، وتأمين الحصول على ما تبقّى من مصادر مؤمَّنة، مع قدرة إرادية وقوية على التخزين في حدود قصوى، تكون كفيلة بتحقيق “الاكتفاء الذاتي” خارج “التبعية”، رغم الارتباط بالأسواق العالمية…

    حتى الملك محمد السادس لم يتحدث، في خطاباته المتعددة، عن “السيادة الغذائية”، وإنما ظل يشدد، في توجيهاته، على “الأمن الغذائي”، وحين أثارها الملك، في افتتاح البرلمان يوم 8 أكتوبر 2021، فليلفت الأنظار إلى مشكل عودة السيادة بكل أبعادها وتعصب بعض الدول في التعامل مع البعض الآخر خلال الأزمة الوبائية لكوفيد، وليدعو الحكومة إلى الضرورة الملحة لـ”إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المتسمر للحاجيات الوطنية بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد”.

    - إشهار -

    والحال أن أخنوش فشل في “الأمن الغذائي” كما فشل في “المخزون الاستراتيجي”، من المواد الغذائية والصحية إلى المحروقات… فأين نحن من تحقيق “الأمن الغذائي”، بالأحرى أن يتكلم عزيز أخنوش في شعار دورة هذه السنة عن “السيادة الغذائية المستدامة”؟!

    أخنوش أضاع على المغرب الحبيب فرصة ذهبية للإقلاع الفلاحي، و”أهدر” مبالغ جد ضخمة تُقدّر بآلاف الملايير من السنتيمات، خلال 15 سنة الماضية، على ما كان يدّعي عزيز أخنوش ومكتب دراساته الأمريكي أن سيجعل “قطاع الفلاحة رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب”، انطلاقًا مما أسماه “مخطط المغرب الأخضر، الذي انتهى أمده سنة 2020، مرورا بـ”صندوق التنمية القروية”، الذي هيمن أخنوش على ملاييره بعدما انتزعه من رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران؟! وصولا اليوم إلى “استراتيجية الجيل الأخضر”، التي عوّضت “المخطط”، ليتضح، بعد مرور عقد ونصف من الزمن، أن كل ما راج من شعارات عن”السيادة” و”الأمن” الغذائيين لم يكن سوى كلام ووعود “كاذبة” شبيهة بنفس الوعود الانتخابية، التي دغدغ بها عزيز أخنوش مشاعر الناخبين لينقضّ على كرسي رئاسة الحكومة.

    هذا هو الواقع اليوم، فشل في “السيادة”، فشل في “الأمن الغذائي”، فشل في “المخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية”، الذي أمر الملك محمد السادس بإحداثه، بعد فشل عزيز أخنوش في تدبير قطاعي الفلاحة والصيد البحري اللذين تحمل مسؤوليتهما لمدة 14 سنة، ومعه وزيره الحالي محمد صديقي، الذي سبق أن شغل منصب الكاتب العام للقطاعين منذ سنة 2013، السنة التي شرع فيها الملك في الابتعاد عن المعرض…

    هذا الفشل أشّر عليه “القصر” بإعطاء الضوء الأخضر لقضاة المجلس الأعلى للحسابات، فكان أن خصّصوا أكثر من 400 صفحة من تقرير “أسود” لجلد عزيز أخنوش، حيث أكّدوا أن هناك انزلاقات بالجملة واختلالات عديدة، مع ضعف ملموس في تسيير قطاع الفلاحة. وهذا ما أكده تقرير حديث نشره البنك الدولي، نهاية الأسبوع الماضي، سجّل فيه أن المغرب أصبح، بسبب تضخم أسعار الغذاء، يشهد نموا متسارعا لمعدل انتشار انعدام الأمن الغذائي، وأن المغرب هو البلد الوحيد ضمن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي لم يقم بإجراءات فعالة لمواجهة آثار التضخم لحماية السكان من آثاره الوخيمة، وفي مقدمتها تآكل القوة الشرائية، خصوصا عندما تتجاوز الزيادة في مستوى الأسعار نمو الأجور بكثير، وأنه لم يفرض ضوابط جديدة على الأسعار، ولم يسنّ إعفاءات ضريبية غير مباشرة على بعض السلع…

    يعني أن “الحكم” بـ”الفشل الذريع” لأخنوش في تدبير قطاع الفلاحة، تعدى المستوى الوطني إلى مستوى “تقييم” البنك الدولي، مما يحبط العديد من الآمال والتطلعات والانتظارات من وراء تنظيم معرض دولي كبير للفلاحة في المغرب، قاطعه الملك، منذ تسع سنوات وإلى اليوم، إذ كان آخر معرض افتتحه الجالس على العرش في دورته الثامنة سنة 2013… فيما غاب ولي العهد، الذي ظل حريصا على افتتاح الدورات السابقة، عن معرض الدورة الخامسة عشرة يوم الثلاثاء الماضي… والسؤال، الذي أضحى على كل لسان، منذ افتتاح المعرض في غياب ولي العهد: ألا يكون “فشل أخنوش” هو السبب في هذا المآل؟!

    مراد بورجى

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد