هل سيتحول الغاز النيجيري إلى ميدان تنافس جديد بين الجزائر والمغرب؟
يبدو أن المغرب والجزائر سيدخلان في منافسة محتدمة لجلب الغاز من نيجيريا نحو أوروبا، وإن كانت القارة العجوز غير متحمسة لمواصلة الاعتماد على هذه المادة والتوجه في السنوات المقبلة نحو الطاقة النظيفة.
وينخرط المغرب في مشروع يعبر 13 بلدا إفريقيا على طول المحيط الأطلسي، ويمتد على حوالى 6 آلاف كيلومتر.
ولم يحدد موعد بدء المشروع، إلا أن وزير النفط النيجيري تيمبيري سيلفا أفاد لـ “وكالة الأنباء الفرنسية” أن المشروع حاليا “في مرحلة التخطيط ودراسات الجدوى، وبعد الانتهاء منها سوف ننتقل للدراسات الهندسية”.
وأشار إلى أنه “يجب الحصول على موافقة جميع البلدان التي سيمر منها خط الأنابيب”.
وكان الملك محمد السادس طرح فكرة المشروع عام 2016 خلال زيارة لأبوجا، وجاء في سياق الكثير من المبادرات التي أطلقتها الرباط خلال العقد الماضي لإقامة شراكات اقتصادية مع جيرانها الجنوبيين، في ظل جمود الاتحاد المغاربي بسبب النزاع مع الجزائر حول قضية الصحراء المغربية.
انطلاقا من المغرب سوف يرتبط خط الأنابيب هذا، بخط أنابيب المغرب-أوروبا، الذي كان ينقل الغاز الجزائري عبر المملكة إلى إسبانيا، قبل أن تقرر الجزائر وقفه نهاية العام 2021، إثر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، وهو ما يفسر أيضا أهمية المشروع النيجيري بالنسبة للمغرب.
ويرى المتخصص المغربي في الجغرافيا السياسية جمال مشروح أن المشروع “سيتيح خلق سوق مستقرة للغاز بمكاسب متبادلة لبلدان المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا والمغرب وموريتانيا”.
وكذلك يمثل “أهمية استراتيجية لأوروبا لتقوية استقلاليتها الطاقية من خلال تنويع مصادر التزويد” حسب ما يؤكد الخبير المغربي.
في سياق جيوسياسي يطغى عليه الطلب الدولي القوي على الطاقة وارتفاع الأسعار على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، تسارعت في الفترة الأخيرة خطوات الرباط وأبوجا لوضع المشروع على سكة التنفيذ.
وفي أواخر العام الماضي أعلن في الرباط عن توقيع المغرب ونيجيريا سبع مذكرات تفاهم مع كل من غامبيا وغينيا بيساو وغينيا وسيراليون وغانا وموريتانيا والسنغال، في إطار هذا المشروع، يضاف إلى ذلك مذكرة أخرى مع مفوض البنية التحتية والطاقة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو).
ويعد توقيع هذه المذكرات “تأكيدا على التزام الدول التي سيتم ربطها بأنبوب الغاز نيجيريا-المغرب بالمساهمة في تفعيل هذا المشروع المهم”، بحسب المكتب الوطني للهيدروكروبرات الذي يشرف على إنجازه عن الجانب المغربي.
لكن الأخير لم يرغب في الإدلاء بتفاصيل عن الخطوات المقبلة والموعد المرتقب لبدء الأشغال، بينما قدرت وسائل إعلام مغربية كلفة المشروع بحوالى 24 مليار دولار.
مشروع منافس
يتزامن هذا التوجه، مع إحياء مشروع منافس ينطلق هو الآخر من نيجيريا ليعبر النيجر والجزائر مستهدفا السوق الأوروبية، حيث وقعت البلدان الثلاثة بالجزائر في يوليوز الماضي مذكرة تفاهم لإخراجه إلى حيز التنفيذ.
طرح هذا المشروع العام 2009 باتفاق ثلاثي وقع في لاغوس، ويفترض أن يمتد على مسافة 4 آلاف كيلومتر بكلفة قدرت بـ10 مليارات دولار.
وهو حاليا “في مرحلة دراسة الجدوى والدراسات التقنية”، بحسب ما قال المتخصص الجزائري في الطاقة أحمد طرطار لوكالة الأنباء الفرنسية، متوقعا أن “يستغرق إنجازه عامين إلى ثلاثة أعوام”، فيما لم يعلن بعد عن أي جدول زمني لبدء الأشغال.
ويوضح الخبير الجزائري أن مجموعة المحروقات العملاقة في بلاده “سوناطراك”، سوف “تستعمل علاقاتها الجيدة مع زبنائها الأوروبيين خصوصا لإيجاد رساميل لتمويل المشروع”، والجزائر هي ثالث مصدر حاليا للغاز الطبيعي إلى أوروبا.
وفي المقابل ينبه الخبير في ميدان الطاقة جيف بورتر إلى أن هذا المشروع يواجه مخاطر “التعرض لهجمات الجماعات الجهادية في منطقة الساحل”، كما يمكن أن يثير “رفضا من طرف السكان المحليين إذا اعتبروا أنه لن يعود عليهم بمكاسب”.
“مشروعان ليسا متناقضين بالضرورة”
يرى الخبير المغربي جمال مشروح أن “المشروعين ليس نقيضين بالضرورة”، متسائلا “هل تقبل أوروبا أن تكون مرتهنة لفاعل واحد؟”.
ويطمح كلاهما إلى تزويد السوق الأوروبية بالغاز، لكن هذه الطموحات تصطدم برغبة بروكسل في التخلي في الأمد القريب عن استعمال الغاز لصالح الطاقات المتجددة.
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في محاضرة بالمغرب نهاية العام الماضي إن أوروبا “قلصت ارتهانها للغاز الروسي من 40 في المائة عند بداية الحرب في أوكرانيا إلى 0″، وباتت تعتمد على مصادر أخرى.
لكنه أضاف متسائلا “هل سنكون ما نزال بحاجة إلى استعمال الغاز عندما يكتمل هذا المشروع (المغربي – النيجيري)؟”، منوها إلى أن المغرب يملك إمكانات واسعة لإنتاج الطاقات النظيفة.
ويبقى السؤال السياسي بين البلدين حاضرا بقوة وسط هذه المعادلة الاقتصادية الضخمة، إذ أن المنافسة بين الجارين قد تدفع إلى احتدام التوتر بينهما أكثر، والذي وصل إلى مستويات متقدمة في هذه المرحلة على خلفية قضية الصحراء المغربية.
وكالات