“تجريم زواج القاصرات”.. ساحة جديدة للنقاش بين توجهين “متناقضين”
أعاد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، نقاش “تزويج القاصرات” إلى الواجهة بعدما أشار إلى إمكانية “تجريم” هذا النوع من الزواج، وتعهده بالترافع من أجل إحداث “إصلاحات” كبيرة بهذا الخصوص.
وقال وزير العدل، في بداية يناير الماضي، “في سنة 2017، تم تسجيل 26 ألف حالة زواج قاصر، وانخفض العدد سنة 2020 إلى 12 ألف حالة، وفي سنة 2021 ارتفع إلى 19 ألفا”.
ومعلوم أن التيارات “ذات المرجعية الإسلامية”، تُعارض بقوة أي نقاش حول الموضوع، وتطالب بالسماح بهذا النوع من الزواج بالنظر إلى “مساهمته في حفظ المجتمع، وتقاليده ومحاربة الفساد، ووضع حد للكثير من مسبباته”.
ومن جهة أخرى، تؤكد “التيارات ذات المرجعية الحداثية” على ضرورة “التجريم”، حفاضا على مصلحة القاصرات ومنعا لـ”استغلالهن جنسيا”، وتحميلهن مسؤوليات أكبر منهم، في الوقت الذي “يجب أن يتواجدن في المدرسة، ويتمتعن بحقهن، في اللعب بشكل طبيعي”.
ونشر الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، نتائج بحث ميداني حول “الحريات الفردية: تمثلات وممارسات”، أجراه مركز “منصات” للأبحاث والدراسات الاجتماعية، يوضح أن غالبية المستجوبين يرفضون “أي مساس بالقوانين الجاري بها العمل، مخافة أن يؤدي ذلك لزيادة “الفساد الأخلاقي بالمجتمع”.
يذكر أن التجاذب بين الحداثيين والمحافظين، خاصة عندما يتعلق الأمر بمطالب تريد إجراء تغييرات على اجتهادات، يعتبرها أنصار التيار المحافظ من صميم الشرع والدين، ليست وليدة اليوم، فقد عاش المغرب وضعا “مشحونا” خلال السنوات الأولى من القرن الحالي، حين كان النقاش حول “مدونة الأسرة” ليتدخل الملك محمد السادس ويحسم الأمر باعتباره أميرا للمؤمنين.
من جهته، عبر المفكر والباحث في الدراسات الإسلامية، محمد عبد الوهاب رفيقي، المعروف بـ”أبو حفص”، عن اتفاقه مع دعوى التجريم التي جاء بها وهبي، وقال “أتفق جملة وتفصيلا مع اقتراح الوزير بهذا الخصوص، ويجب إقرار هذا التجريم، وإلغاء الإستثناء الموجود الأن في المدونة، والذي يمنح السلطة التقديرية للقاضي ليزوج القاصر”.
ويرى المتخصص في قضايا الإصلاح الديني، في تصريح سابق لموقع “بديل”، أنه “من الناحية الدينية والشرعية يجب أن نعرف أن المقصد الأساسي للدين هو المصلحة الفضلى للإنسان والطفل خصوصا، ونحن نعلم، وبشهادة الخبراء والمختصين، أن تزويج قاصر هو جريمة على كل المستويات، سواء على المستوى النفسي أو الصحي أو الاجتماعي”.
ويتيح القانون زواج الذكور والإناث في سن 18 سنة، ويشترط الحصول على إذن من قاضي الأسرة المكلف بالزواج للسماح للقاصرين البالغين 16 سنة.
وفي 2021، أصدرت النيابة العامة المغربية دراسة عن الظاهرة بين عامي 2015 و2019، أكدت أن زواج القاصرات له “آثار سلبية تؤرق الدولة والمجتمع على حد سواء”.
وشددت على أن الوضع “يستدعي تضافر الجهود ورفع مستوى تعبئة المجتمع”، واعتبرت أن الظاهرة “ليست شأنا قضائيا صرفا تنحصر أسبابه في التدبير العملي لمقتضيات المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة”.
وأكدت أن الظاهرة “شأن مجتمعي تتعدد أسبابه التي تتوزع بين ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي وديني، وتتشعب نتائجه فتمس كل شرائح المجتمع”.