إعدام الصحافة بالمغرب: السلطات تستورد نموذج بنعلي البائد


يحتفي الكوكب وصحافيوه اليوم بذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف تاريخ 03 ماي من كل عام. هذه الذكرى هي بمثابة تنبيه للحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة. هذا اليوم خصصته الجمعية العامة للأمم المتحدة  للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، والدفاع عن استقلالية الاعلام, والتذكير بالصحافيين الذين انتزعت منهم حريتهم أو فقدوا أرواحهم  أثناء أداء واجبهم المهني.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية


    ‎لكن هذه الذكرى لا يمكن للمغرب أو لصحافييه  أن يحيوها بطابع احتفائي. فهي تتزامن مع استمرار الملاحقات القضائية و الأمنية للصحفيين بتهم كيدية.


    ‎ففي السنوات الأخيرة الفارطة، طور النظام المغربي سلاح تلفيق الفضائح الجنسية و المالية للصحافيين المستقلين و المعارضين. هكذا وعوض الملاحقات القضائية التقليدية المتعلقة بحرية التعبير أو انتقاد السلطة، أصبحت المتابعات بجرائم الاغتصاب و هتك العرض وتلقي الأموال من الخارج هي السائدة.

    هذه المتابعات الأخيرة و التي ترافقها حملات قذف ضخمة في صحف و مواقع إلكترونية يديرها مسؤول سابق في وزارة الداخلية ورجل رافق الملك في جولاته الإفريقية الأخيرة. , تقوم صحف هذين الرجلين النافذين داخل المحيط  الملكي بالتشهير والتشويه الأخلاقي ‎للصحفيين  و المعارضين و شيطنتهم بهدف إعدامهم رمزيا و تغييبهم لسنين طويلة في السجن.


    ‎في العهد الجديد, دشن البوليس السياسي “سنة2018″   بالإجهاز على الصحافة الحرة فيما بات يعرف ب”ورطة القرن”  باعتقال الصحفي توفيق بوعشرين مؤسس جريدة  “أخبار اليوم”  وهي آخر الصحف المستقلة بالمغرب, بتهم أبعد من الخيال أشهرها “الاتجار بالبشر” و الذي  حكم عليه في المرحلة الاستئنافية ب15 سنة سجنا نافذا.


    ‎و بعد دراسة الملف من طرف خبراء دوليين, جزم تقرير الأمم المتحدة أن الصحفي توفيق بوعشرين معتقل تعسفيا وطالب الدولة المغربية بإطلاق سراحه فورا وتعويضه، وشدد على محاسبة المسؤولين المغاربة عن اعتقاله.
    ‎المغرب وهو عضو نشيط بالأمم المتحدة و يدعي الالتزام بالقوانين الدولية, تجاهل تماما الرأي الأممي في قضية اعتقال بوعشرين بل تابع تحريك بوليسه السياسي ضد الصحافة المستقلة .


    ‎ففي سنة  2019, اعتقلت عناصر الأمن هاجر الريسوني من الشارع العام بالعاصمة الادارية الرباط, و هي صحفية بنفس جريدة توفيق بوعشرين ليتم اخضاعها لفحص طبي قسري عنيف (يعد قانونيا بمثابة اغتصاب ) بأمر من الشرطة القضائية بغرض إضفاء الشرعية على ملاحقتها بتهمة الإجهاض وعلاقة خارج إطار الزواج.


    ورغم ‎تقرير أنجزه سبعة أطباء أكدوا أنها لم تخضع لأي إجهاض فإن  قضاء التعليمات حكم عليها بسنة نافذة سجنا بتهمة الإجهاض.
    ‎وأمام الضجة الدولية لقضيتها صدر عفو عليها و على المتابعين معها في نفس القضية.


    ‎قضية الصحفية هاجر الريسوني تختزل الخطاب المزيف للمغرب الرسمي حول المرأة, و تؤكد الإفلاس الأخلاقي لأجهزته الأمنية و الاستخباراتية.


    ‎ هاجر لم تكن اخر الاعتداءات على الأصوات الحرة.بل وجهت الدولة طعنة أخرى لقلب “جريدة أخبار اليوم” باعتقال رئيس تحريرها الصحفي سليمان الريسوني   في أغرب و أغبى التلفيقات.


    ‎ اعتقل الريسوني  من أمام بيته بتاريخ  22  ماي 2020  من لدن فيلق من “البوليس” يتكون من خمسة عشر عنصر دون مده باستدعاء, في حين أن الاعتقال المباشر كإجراء يتم في حالة التلبس أو بوجود أدلة تدينه، وهذا غير متوفر في حالة الريسوني، فضلاً عن عدم توفر شكاية ضده من المدعي.


    ‎قبل اعتقال الصحفي سليمان الريسوني بأسابيع, جند البوليس السياسي أذرعه الاعلاميه للتشهير بسليمان و عائلته, حتى أنها  توعدته بالاعتقال بتهمة الاغتصاب بل وحددت تاريخا له و هو ما كان بالفعل, نفس المواقع  كانت حاضرة في مكان اعتقاله و عملت على تصويره و نشر الفيديو على موقعها.


    ‎هذا الاعتقال التحكمي بررته النيابة العامة برصد خلية اليقظة التابعة لها لتدوينة شاب “مثلي” باسم وحساب وهميين يزعم أنه تعرض لمحاولة الاعتداء تعود لسنة 2018 من دون ذكره لاسم المعتدي.


    ‎تزامنا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة يصل الصحفي سليمان الريسوني لليوم السادس والعشرين   في اضرابه عن الطعام احتجاجا على اعتقاله التعسفي, لسنة كاملة داخل زنزانة انفرادية دون ادانة و دون محاكمة وفي عزلة تامة.


    ‎بالاضافة إلى مرض ضغط الدم, يعاني الصحفي سليمان الريسوني اختلالا في البوتاسيوم نتيجة إضرابه عن الطعام الذي أفقده 22  كيلوغراما من وزنه.


    ‎سليمان الريسوني اختار الموت كأسلوب للتعبير عن حقه في الحرية و العدالة.

    ‎نكسة أخرى ستعرفها البلاد بعد اعتقال الصحفي الشاب عمر الراضي, بعد التحقيق معه لأكثر من شهر في قضية المس بسلامة الدولة و التخابر مع عملاء دولة أجنبية.


    ‎أعلنت النيابة العامة يوم اعتقاله, أن الصحفي عمر الراضي يواجه أيضا تهمة الاغتصاب,و هي التهم التي ألبسته إياها مواقع و صحف موالية للبوليس السياسي حتى قبل ادراجها في بلاغ النيابة العامة.


    ‎و الأنكى أنها توعدته بقضاء عيد الأضحى في سجن عكاشة, ليتم اعتقاله قبل العيد بيومين.

    - إشهار -


    ‎اعتقال الراضي جاء مباشرة بعد تقرير منظمة العفو الدولية, الذي يكشف أن الراضي  قد استهدف أيضا ببرامج تجسس على الهاتف, تم تطويرها من طرف شركة  NSO و التي لا يمكن اقتناؤها الا من طرف الحكومات.


    ‎و في خرق فاضح للقانون أصدر  المجلس الحكومي بيانا  يدين الراضي حتى قبل عرضه على القضاء الجالس, هذا البيان شارك في تلاوته  ثلاثة وزراء, بوزن سياسي كبير.


    ‎ البيان جاء ردا على حملة  التضامن التي أطلقتها “منظمة العفو الدولية” للمطالبة باطلاق سراح الراضي.


    ‎الصحفي عماد استيتو, هو الشاهد الوحيد الذي يؤكد براءة الصحفي عمر الراضي من تهمة الاغتصاب.


    ‎سبق و أن تم الاستماع إليه كشاهد برفقة آخرين في قضية الاغتصاب التي يتابع فيها عمر الراضي, لتسارع النيابة العامة إلى تحويله لمتهم بالمشاركة في هتك العرض و الاغتصاب في نفس القضية.


    ‎ اقحام عماد في زاوية الاتهام, هو بغرض تجريد عمر من آخر أمل له في إثبات براءته.


    ‎خاض عمر الراضي معركة الأمعاء الفارغة لازيد من ثلاثة أسابيع, احتجاجا على اعتقاله التعسفي   لقرابة سنة داخل زنزانة انفرادية دون ادانة ودون  محاكمة.


    ‎بسبب إضرابه عن الطعام, أصيب عمر بنزيف معوي و الذي فاقم المرض المزمن الذي يعاني منه (الالتهاب المعوي CROHN )
    ‎”بنية شبه سرية قد تهدد سلامة المغاربة”, كان هذا عنوان مقال للمؤرخ معطي منجب قبل اعتقاله بأسابيع.


    ‎في هذا المقال كشف  الاكاديمي و الحقوقي منجب, حقيقة  الاذرع الإعلامية و القضائية و الأمنية للبوليس السياسي التي يستعملها كأداة لإقبار الأصوات المعارضة لسياسة الدولة.


    ‎تعرض منجب طيلة خمس سنوات   لحملة شرسة ‎من التضييقات, وصلت حد منعه من السفر بدون سند قانوني، ونُعت بأقبح النعوت التي طالت عائلته، في مقالات نشرتها مواقع مقرّبة من السلطة، بقصد تأليب الرأي العام عليه وضرب مصداقيته كمعارض وكاتب رأي قوي.

    ‎وبعدما توعّدته مواقع صحافية-أمنية كثيرة بفتح ملف “غسيل الأموال” ضدّه، أصدر وكيل الملك في الرباط بلاغاً، ليلة السابع من أكتوبر، يعلن فيه فتح تحقيق معه ومع وأفراد من عائلته حول نفس الموضوع .


    ‎بعد سلسلة من الاستدعاءات, تم اعتقال منجب بتاريخ 29   دجنبر 2020 من داخل مقهى بمدينة الرباط من طرف رجال الأمن بزي مدني.


    ‎أعلنت  النيابة العامة بعدها عبر بيان, متابعتها لمنجب بتهمة  مالية.


    ‎في سابقة من نوعها خرج المجلس الأعلى للسلطة القضائية ببلاغ يشهر بمنجب ويعيب عليه الحملة الدولية و الوطنيه التي قادها مجموعة من النشطاء والصحفيين, تطالب  باطلاق سراح منجب, معلنا انحيازه لرواية البوليس السياسي ومدينا منجب حتى قبل مثوله أمام المحكمة .


    ‎غرائب المتابعات لم تنتهي هنا, حيث صدر حكم غيابي في حق المؤرخ منجب ليلة اعتقاله بسنة سجنا نافذا, في قضية “مس أمن الدولة ” و التي  توبع فيها منجب رفقة خمس صحفيين اخرين و قد أجلت لأزيد من عشرين جلسة  من دون أن تنطلق المحاكمة.


    ‎أمام هذا الشطط قرر منجب الدخول في إضراب عن الطعام لمدة 20  يوما احتجاجا على اعتقاله غير القانوني، قبل أن يتم إطلاق سراحه يوم 23   مارس وهو في حالة وهن شديد 2021.


     ‎كل هذا السواد الذي يخيم على الصحافة في المغرب لن يثني  النظام المغربي على سرد أساطيره عن احترامه لحرية الصحافة و الصحافيين, و سيستنجد بحاشيته و المستفيدين  من استبداده من أجل تبييض جرائمه في حق حرية الرأي و التعبير.

    ‎السقطات الأخلاقية المتكررة للبوليس السياسي و بوثيرة متقاربة جعلته يفقد ماهية الوجود، ليقف العالم على حقيقة أن البنية الشبه السرية هي العدو الفعلي للمغرب..

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد