إنهاء مناخ الخوف ضرورة لحماية الدولة

في سياق يتسم بتزايد التوترات الاجتماعية والسياسية، تتكاثر مؤشرات ما يمكن اعتباره اتجاها متصاعدا نحو “صناعة الخوف” في المغرب. من محاكمات إلى حملات تشهير، مرورا بحرمان جمعيات من حقوقها القانونية، وصولا إلى ملاحقة الصحفيين والمدونين، كل هذه الوقائع تطرح تساؤلات جدية حول طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع، وما إذا كانت الحريات في البلد لا تزال تسير في منحنى تراجعي مقلق.
آخر هذه المؤشرات، الحكم بثلاث سنوات حبسا نافذا في حق النقيب محمد زيان، في ملف اختلاس مرتبط بحزب سياسي اختار بنفسه “الترفع” عن المتابعة.
والمفارقة التي يصعب فهمها، أن الجهة التي أعدت التقرير، وهي المجلس الأعلى للحسابات، والتي تضم قضاة، لم تر في الحزب مسؤولية تستدعي المساءلة، بينما النيابة العامة قامت بفتح الباب لتساؤلات مشروعة حول معايير ما يمكن تسميته بـ”الانتقاء القضائي”.
في المقابل، تصاعدت حملات التشهير التي تستهدف صحفيين ونشطاء حقوقيين معروفين باستقلاليتهم، في ظل شبه صمت رسمي، رغم تقديم المتضررين لعشرات الشكايات، لم تجد طريقها إلى التحقيق أو المتابعة. الأسوأ أن الحديث بدأ يتزايد عن “حماية غير معلنة” للمشهرين، وكأن الحملة ممنهجة.
على المستوى الجمعوي، ما تزال جمعيات حقوقية، من ضمنها جمعية محسوبة على حزب مشارك في الحكومة، محرومة من وصولات الإيداع، في مشهد يعكس استمرار التضييق حتى في المجالات التي يفترض أن تكون فيها حرية التنظيم مكفولة بالدستور.
- إشهار -
وفي خلفية هذا المشهد، يتواصل اعتقال رموز “حراك الريف”، وعلى رأسهم ناصر الزفزافي محمد جلول، دون أن تظهر أية بوادر لانفراج حقيقي في هذا الملف.
ومؤخرا، تم اعتقال ناشطين من فدرالية اليسار الديمقراطي في فجيج، في سياق احتجاجات محلية على ما تعتبره الساكنة “خوصصة لمورد الحياة الأساسية: الماء”، ورغم طابعها السلمي، لم يسلم المحتجون من تبعات أمنية وقضائية.
وهنا لا يهم كثيرا إن كانت كل هذه الوقائع مرتبطة بالفعل بقضايا “عادية” معروضة على القضاء، أو أنها فعلا تعبير عن توجه سياسي نحو التضييق على حرية الرأي والتعبير. المهم أن مجموع هذه الحالات، المتراكمة والمتزامنة، تخلق حالة من الخوف العام، وانعدام الثقة، وتزيد من منسوب القلق والسخط لدى فئات واسعة من المواطنين.
صحيح أن الدولة، كما هو معلوم، تضع الاستقرار في مقدمة أولوياتها. لكن يبقى السؤال الأهم: هل الاستقرار الحقيقي يُبنى على تكميم الأفواه، أم على الانفتاح والإشراك والعدالة؟، وهل بمثل هذه الأشياء يمكن أن نحقق الاستقرار؟، وهذا هو السؤال الذي يجب ان يتم الاجابة عنه، لأن القمع، حين يتحول إلى سياسة ممنهجة، لا يضمن الاستقرار، بل يقوضه من الداخل.