الجزائر وقانون التعبئة: حين تتحوّل الهشاشة إلى مشروع دولة ؟


في الوقت الذي تنشغل فيه شعوب المنطقة بهموم الغلاء ونقص الخدمات وتآكل الحقوق الاجتماعية، اختارت السلطة الجزائرية أن تستثمر في الخوف. ليس الخوف من الداخل، بل من الخارج، ذاك الذي لا يُرى ولكن يجب أن يُصدق، ويُجهز له قانون، ويُحشد له شعب، ويُربط فيه مصير دولة بأكملها على مشجب “الخطر المحدق”.

القانون الجديد المتعلق بالتعبئة العامة، والذي صادقت عليه الحكومة الجزائرية يوم 20 أبريل الجاري، يبدو في ظاهره تنظيميا تقنيا، لكنه في جوهره وثيقة سياسية محملة برسائل صريحة ومشفرة. فمن جهة، هو استكمال لمقتضيات دستورية تم إقحامها سنة 2020 في سياق تعديل سياسي لم يحظ بإجماع شعبي، ومن جهة أخرى هو استباق لأحداث لم تقع بعد، ولكن النظام يرى فيها مبررا دائما لإبقاء المجتمع في حالة طوارئ معلنة أو كامنة.

التعبئة كقناع للهشاشة

أن تُعدّ دولةٌ نفسها للحرب، في زمن السلم، ليس في حد ذاته مشكلا، لكن أن تُحوّل هذه الجاهزية إلى مشروع سياسي يعوض فشل التنمية، ويغطي على غياب أفق ديمقراطي، فذاك ما يثير القلق.

الجزائر اليوم لا تعبئ فقط ضد عدو خارجي، بل تعبئ خوفا من الداخل، من التصدع الذي تعرفه مؤسساتها، من الحركات الاجتماعية التي تكشف زيف الإصلاحات، ومن احتقان شعبي لا ينفع معه خطاب الوطنية التقليدي.

في قانون التعبئة هذا، يُعاد تفعيل الخزان البشري للجيش، عبر منظومة احتياط تُذكّر بأزمنة الانقلابات الباردة، وتستدعي في الأذهان صورة الدولة التي ترى في كل مواطن جنديا مؤجلا. وهو تصور يجعل من الخدمة العسكرية ليس واجبا وطنيا طارئا، بل وضعا افتراضيا دائما، بما يحمله من تطويع سياسي وتقييد اجتماعي.

- إشهار -

العدو كوظيفة سياسية

الأغرب في الأمر أن هذا القانون يُسوق في سياق إقليمي معروف: المغرب في الغرب، الفوضى في ليبيا شرقا، والساحل المشتعل جنوبا. لكن ماذا لو كان هذا “الخطر الخارجي” مجرد وظيفة داخلية للنظام؟ وظيفة تبرر الإغلاق السياسي، وتشرعن عسكرة المجتمع، وتلهي الرأي العام عن أزماته الحقيقية؟ حين يُصبح العدو ضرورة وجودية للسلطة، فإن السلم يتحوّل إلى استثناء، والتعبئة إلى أسلوب حكم.

في انتظار التعبئة الحقيقية

ما تحتاجه الجزائر ليس قانونا لحشد القوات، بل مشروعا لتعبئة الإمكانيات في وجه الفقر، البطالة، والفساد، وما ينقصها ليس تشريعات عسكرية، بل إصلاحات سياسية تفتح أفقا جديدا أمام شباب أنهكته الوعود المستهلكة.

ويبقى السؤال الحقيقي في الجارة الشرقية: هل تسعى السلطة في الجزائر لحماية الدولة، أم لإعادة تشكيلها على صورة الخوف، وبقواعد الطوارئ، وعبر منطق التعبئة الدائمة؟.

أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد