“المغرب والجزائر”.. وساطة أمريكية تُعيد ملف الصحراء إلى الواجهة


عاد ملف الصحراء المغربية إلى الواجهة من بوابة وساطة أمريكية مرتقبة، تقودها شخصيات وازنة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في محاولة لإذابة الجليد بين الرباط والجزائر، وتيسير سُبل التوصل إلى تسوية توافقية تضع حدا لأحد أقدم النزاعات في المنطقة.

المبادرة الأمريكية، التي جاءت على لسان مستشار ترامب لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط، تنبني على مقاربة مزدوجة: الاعتراف المتجدد بسيادة المغرب على صحرائه من جهة، والدعوة لفتح قنوات الحوار مع الجزائر من جهة أخرى، مع التأكيد على أن هذا الاعتراف لا يُلغي الدور الأمريكي كوسيط دولي في هذا الملف.

وتسعى الوساطة، وفق ما ذكرت مجموعة من التقارير إعلامية، إلى بلورة حل نهائي ينهي مأساة ما يقارب 200 ألف صحراوي يعيشون في الجزائر، عبر طرح مقترح الحكم الذاتي كأرضية تفاوضية واقعية وذات مصداقية، مقترح يعتبره الجانب الأمريكي، كما أكدت تصريحات مسؤولين بارزين، “الإطار الوحيد الممكن للتوصل إلى حل عادل ودائم” يُرضي الطرفين.

وتأتي هذه المبادرة في سياق دبلوماسي معقد، تراهن فيه واشنطن على تخفيف التوتر بين جارين يتقاسمان الجغرافيا والتاريخ، لكن فرّقتهما الحسابات السياسية وتراكمات عقود من القطيعة.

المغرب، وإن تمسك بحقه في السيادة على كامل ترابه، أبدى مرارا انفتاحه على أي مقترح يحترم وحدته الترابية ويقطع مع الأطروحات الانفصالية، رافضا الانجرار إلى منطق التصعيد.

أما الجزائر، فلا تزال تصر على موقف يعتبر أن النزاع يتعلق بـ”مسار تصفية استعمار”، وتتمسك بدور جبهة “البوليساريو” كممثل أساسي للصحراويين، ما يعقّد مهمة الوساطة، في ظل تعقيدات داخلية في بنية القرار الجزائري تُضعف فرص التقاط المبادرات البناءة.

- إشهار -

في خضم هذا المشهد، يبرز موقف المغرب كرهان على ما يُعرف بـ”الصبر الاستراتيجي”، إذ اختار الانخراط الهادئ في الجهود الأممية والدولية، دون أن يتخلى عن تعزيز مواقعه ميدانيا، في المنطقة العازلة شرق الجدار الرملي، أو عن مساعيه لإقناع الشركاء الدوليين بعدالة قضيته.

المثير في هذه التطورات هو إعادة الولايات المتحدة التأكيد على تعهداتها السابقة، بما في ذلك إمكانية فتح قنصلية أمريكية في الداخلة، وهي خطوة طال انتظارها منذ اعتراف ترامب بمغربية الصحراء سنة 2020، وقد تُمثّل، إن نُفّذت، رسالة قوية تعزز موقع المغرب في هذا النزاع.

وعلى الرغم من وجود أصوات داخل الجزائر ترى في هذا التقارب المغربي-الأمريكي تهديدا لمصالحها، إلا أن واشنطن تبدو مصممة على لعب دور “الدبلوماسي النزيه”، الراغب في تقريب وجهات النظر دون المساس بالسيادة الإقليمية للدول، وهو ما عبّر عنه مستشار ترامب حين قال إن “الاعتراف بالسيادة لا يعني إغلاق باب الحوار، بل العكس تماما”.

ويُنظر إلى هذه الوساطة، مع اشتداد الأزمات الإقليمية وتعاظم التحديات الأمنية، كفرصة نادرة لإعادة هندسة العلاقات المغاربية على أسس التعاون بدل التنافر، وهو ما يدعو إليه المغرب باستمرار من خلال مقترحات تهدف إلى تسهيل الاندماج الاقتصادي بين دول الساحل والمحيط، وفتح الحدود المغلقة بين الجارين.

ويبقى الرهان الأكبر الآن على ما إذا كانت هذه الوساطة الأمريكية ستحمل جديدا يخرج الملف من دائرته المغلقة، ويؤسس لمسار تفاوضي أكثر نضجا وواقعية، أم أنها ستكون مجرد حلقة جديدة في مسلسل طويل من محاولات التقريب غير المثمرة.

أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد