تراجع حرية التعبير في المغرب.. من الهجوم إلى التقويض


منذ عام 2014، بدأ المغرب يشهد تراجعا تدريجيا في مجال حرية التعبير، بعد اغلاق ما عرف بـ”قوس 20 فبراير”، وهي الحرية التي تعتبر أحد الأسس الرئيسية للديمقراطية وحقوق الإنسان.

في تلك الفترة، بدأت تظهر ملامح هجوم غير مسبوق على المدافعين عن حقوق الإنسان، سواء من الصحفيين أو المدونين أو النشطاء السياسيين أو الجمعيات الحقوقية، وفي مقدمتها الجمعية المغربية لحقوق الانسان، وهو ما شكل بداية لمرحلة جديدة في علاقة الدولة بالإعلام والمجتمع المدني.

حركات مخيفة نحو القمع

شهد المغرب في السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا في حالات اعتقال المدونين والنشطاء الذين يعبرون عن آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي أو عبر مقالاتهم الصحفية.

وفي الوقت الذي تعتبر حرية التعبير حقا دستوريا، عززه دستور 2011 بمجموعة من الضمانات، أضحى العديد من المواطنين يتخوفون من التعرض للملاحقة القضائية بسبب تعبيرهم عن آرائهم. ففي العديد من الحالات، كانت التهم تتراوح بين “التحريض على العنف” و”إهانة مؤسسات الدولة”، وهي تهم تُستخدم بشكل متزايد لإسكات الأصوات المعارضة أو المنتقدة.

على سبيل المثال، تم مؤخرا اعتقال ومتابعة عدد من الصحفيين والمدونين، بتهم تتعلق بنشر أخبار كاذبة أو إهانة شخصيات عمومية، رغم أن الكثير من هذه التهم قد جاءت في إطار نقد مشروع للممارسات الحكومية أو تعبير عن وجهات نظر مخالفة للتوجه السائد، الأمر الذي دفع البعض إلى التساؤل عن حدود حرية التعبير في المملكة، خاصة في ظل تضييق الخناق على الصحافة المستقلة والنشطاء.

خيط رفيع بين النقد والملاحقة

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الإحساس العام الذي يسود في الشارع المغربي بأن هناك أطرافا تسعى لإشعال الوضع في البلاد من خلال تعزيز مناخ التوتر السياسي والاجتماعي. هذه الأطراف، التي تبقى هويتها غير واضحة.

وما يثير الريبة أكثر هو التوقيت الذي تأتي فيه هذه الهجمات على حرية التعبير، خصوصا في فترة تعيش فيها البلاد توترات اقتصادية واجتماعية.

ففي الوقت الذي كان فيه المغرب يسعى لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، بدأ يظهر شعور عام بأن بعض الأطراف قد تسعى إلى تحويل الصراع السياسي إلى أزمة اجتماعية خانقة، تُسهم في خلق مناخ من الاحتقان السياسي.

قيود على حرية التعبير وحقوق الصحفيين

الصحافة المغربية التي كانت في سنوات مضت منبرا مهما للتعبير عن الرأي والتفاعل مع قضايا المجتمع، أصبحت اليوم في قلب معركة غير معلنة.

وعانى عدد من الصحفيين، في السنوات الأخيرة، من المضايقات والملاحقات القضائية، بالإضافة إلى محاكمات لأشخاص تابعين لوسائل إعلام مستقلة بسبب مواقفهم النقدية تجاه بعض السياسات الحكومية.

- إشهار -

بالإضافة إلى ذلك، تزداد المخاوف من تدابير جديدة قد تُفرض على وسائل الإعلام، مثل تقييد الوصول إلى المعلومات أو زيادة الرقابة على المحتوى الرقمي.

وفي ظل هذه الظروف، بات من الصعب الحفاظ على استمرارية الصحافة المستقلة في المغرب، وهو ما يُعد تهديدا آخر لمبدأ حرية التعبير.

انتقادات من داخل البرلمان

وفي سياق تصاعد الأصوات المنتقدة لتدهور وضعية الحريات بالمغرب، لم يخف رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، في أكثر من مناسبة قلقه من تراجع الحريات العامة، مطالبا الحكومة بتحمّل مسؤوليتها في ضمان حرية التعبير ووقف محاكمة النشطاء.”

كما سبق للأمين العام للحزب نفسه، محمد نبيل بنعبد الله، أن نبه إلى ما وصفه بـ’الردة الحقوقية’، داعيا الدولة إلى القطع مع منطق السلطوية وتوسيع هامش الحريات السياسية والإعلامية.

ولم تُخفِ النائبة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، استياءها من المناخ السياسي العام الذي وصفته في مناسبات متعددة بـ”المُقلق”، في ظل تصاعد وتيرة التضييق على الحريات، حيث اعتبرت أن تراجع منسوب حرية التعبير والتنظيم يشكل خطرا على التوازن السياسي والاجتماعي، مشددة على أن المدخل الحقيقي للإصلاح يبدأ بإطلاق سراح النشطاء ومراجعة المقاربة الأمنية تجاه التعبير عن الرأي.

وفي السياق ذاته، نبهت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي بمجلس النواب، فاطمة التامني، إلى ما سمته بـ”الهجوم الممنهج على الأصوات المزعجة”، مشيرة إلى أن محاكمة المدونين والنشطاء تعكس توجها رسميا لفرض الصمت وتكميم الأفواه.

وأكدت التامني أن البرلمان يجب أن يتحمل مسؤوليته في مساءلة الحكومة، بدل أن يظل مجرد شاهد على انتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين.

هل نحن أمام أزمة مستدامة؟

لا شك أن تراجع حرية التعبير في المغرب لا يُعد قضية عابرة، بل هو مؤشر على تحولات قد تكون في غاية الخطورة في النظام السياسي والاجتماعي، فبينما يزداد الضغط على الصحفيين والنشطاء، ويشعر المواطنون أن أصواتهم تُكمم، فإن السؤال يبقى: هل يستمر هذا التراجع في تصاعده، أم أن هناك فرصة لعودة التوازن بين الحق في التعبير والاعتبارات الأمنية؟.

الأيام القادمة قد تحمل إجابات أكثر وضوحا حول هذا الموضوع، لكن الواضح أن الوضع الراهن يحتاج إلى إعادة النظر في سياسة التعامل مع المعارضة وتوفير بيئة تضمن التعددية الفكرية والإعلامية في البلاد.

أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد