الأخنوشية أخطر من اخنوش

قرر حزب العدالة والتنمية عدم دعوة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، إلى مؤتمره الذي سيُعقد نهاية الشهر الجاري.
والسبب المُعلن؟ أن حزب “المصباح” لا يرى من اللائق دعوة “الخصم الأول” للحزب، والمسؤول الأول عن “البلوكاج”، إلى “عرسه التنظيمي”.
هذا قرار سيادي لحزب المصباح الذي يحاول ترميم صورته ولجنته التنظيمية، بلا شك. لكن – ودائماً هذه الـ”لكن” تجلب المتاعب للكاتب والقارئ – لا بد من تسطير حاشية صغيرة على هذا السلوك الحزبي الانفعالي.
المغاربة يقولون في دبلوماسيتهم الشعبية: “العداوة ثابتة، والصواب يكون”. ودعوة رئيس الحكومة إلى مؤتمر الحزب لن تمحو الخصومة السياسية، ولو استُقبل بالحليب والتمر على باب المؤتمر هذا شيء وذاك شيء مختلف، ليس مطلوبا من حزب العدالة والتنمية ان يمارس معارضة الأشخاص وسياسة ( قليان السم).
ثم، لنتذكر: هذا الذي صار اليوم “العدو الأول” للحزب، اشتغلتم معه أيها البيجيديون لعشر سنوات كاملة . كان في تلك السنوات أكثر من وزير وأقل قليلاً من رئيس حكومة، ولم تزعجكم لا سيرته التي لم تتغير، ولا تضارب مصالحه مع مصالح الدولة، ولا خلطه بين المال والسياسة، ولا إعتناقه للنسخة الأكثر تطرفاً من “التمخزنيت”
مازلت أذكر أن الراحل عبد الله بها اتصل بي يوم كتبت افتتاحية في جريدة( اخبار اليوم) أنتقد فيها مشروع القانون التنظيمي لعمل الحكومة الذي اعده بنكيران وأغلبيته، القانون الذي تركت عمدا متعمدا الباب مفتوح لتضارب المصالح في سلوك الوزراء، وخاصة رجال الأعمال منهم.
حيث كان الرأي عندي أن ينص القانون صراحة على عدم قانونية دخول اي شركة يملكها وزير او يساهم فيها عضو في الحكومة في أي صفقة عمومية او شراكة أو عقد دعم أو أية مصلحة مع الدولة، مادام صاحب الشركة عضوا في الحكومة، إلى ان يخرج
وآنذاك يرجع إلى مجال البيع والشراء …
وعاب علي عبد الله بها وكان وزير دولة في الحكومة وشبه نائب لرئيسها هذا الرأي وقال : (بهذه الطريقة سنبعد رجال الأعمال عنا، ولن يرضى اي رجل بزنس في دخول الحكومة، وسنضيع في تجربتهم )
وكان ردي على هذا الرأي الذي أثبتت الأيام خطأه بل وخطورته ،أن قلت للرجل الهادئ رحمه الله: ( إذا كان رجل الأعمال هذا لا يستطيع ان يضحي بجزء من وقته وربحه ونشاطه التجاري مع الدولة لمدة خمس سنوات فقط ،يتعفف فيها عن شبهة تضارب المصالح ،فهذا إنسان لا يصلح لإدارة الشأن العام القائم أصلا على فكرة التطوع والتضحية وخدمة المصلحة العامة أو إلى حين )
لم يقتنع الوزير بها بحجتي ولم أقاسمه برغماتيته …
كان عزيز أخنوش “ولد الناس”، وكان يحظى من عبد الإله بنكيران، كما من سعد الدين العثماني، بالمدح والتفضيل، وكان الوزير (الأولى بالرعاية )في الحكومة.
بل حتى حين إستولى أخنوش على صلاحية من صلاحيات رئيس الحكومة في القانون المالي بسنة 2015 في غفلة من الجميع ( استولى على صفة الآمر بالصرف في صندوق تنمية العالم القروية دون علم بنكيران فيما سميته قوالب الوزراء)، لم يغضب بنكيران إلا قليلاً، وطوى الصفحة بسرعة. بل أعطى لأخنوش ومحمد بوسعيد الإذن بجرّ جريدة “أخبار اليوم” ومدير نشرها إلى القضاء، بتهمة نشر خبر صحيح ! خبر أكده رئيس الحكومة قبل غيره.
والبقية معروفة…
أخنوش الذي رفضتم دعوته اليوم إلى مؤتمركم أيها الإسلاميون لم يتغير كثيراً منذ أدخله إدريس البصري إلى السياسة لأهداف غير سياسية.
الذي تغير هو موقف بنكيران وحزبه من اخنوش. وهذا حقكم، وربما واجبكم.
لكن – دائما لكن هذه تخلق متاعب للكاتب والقارئ-بقي تفصيل صغير فقط: على الحزب أن يشرح للرأي العام – أو بالأحرى من بقي منه رغم كل شيء، يتابع المشهد الحزبي ولم يصب بعد بالقنوط – لماذا تغيّر هذا الموقف من عزيز؟
هل هو موقف من شخص عزيز، لأن شخصاً آخر اسمه عبد الإله لم يعد يطيقه؟
أم هو موقف مبدئي من (الاخنوشية ) كنهج وكأسلوب في السياسة وفي الإدارة وفي البزنس ؟
الاخنوشية طبعة منقحة ومزيدة من البصرية قائمة على “دخول السياسة لقتل السياسة” وقيادة الحزب (لقتل فكرة التعددية ) ودخول الانتخابات لكسر الديمقراطية ،ودخول الحكومة لتنمية الثروة، وملء البرلمان بالأعيان وآلات التصويت، لعرقلة المراقبة البرلمانية لعمل الحكومة و لصرف المال العام؟
هذه الاخنوشية هي الأولى بالمعارضة وبالقطيعة وبالفضح وبالتصدي لها ولامتداداتها في الحقل الحزبي والإداري والإعلامي والمالي …
اما حضور عزيز او غيابه في جلسة بروتوكولية فهذا امر لا يقدم ولا يؤخر…
تغيير المواقف في السياسة أمر جار به العمل قديما وحديثا، لكن التغيير المنتج للممارسات الفضلى في حقل ملغوم مثل الحقل السياسي، هو التغيير المبني على المراجعة والنقد الذاتي والاعتراف بأخطاء الماضي، وتحديد الأسباب الكامنة وراء سوء التقدير الذي أفضى ويفضي أحيانا إلى كوارث والى أضرار يصعب جبرها …
على حزب المصباح ان يمتلك الشجاعة الأدبية للاعتراف بالأخطاء التي راكمها قادته خلال عشر سنوات مضت، وان لا يقلبوا الصفحة بسرعة وتسرع ، وان لا يقفزوا إلى الأمام دون استخلاص عميق الدروس …
ومن اهم الدروس هي كيف دخل الحزب إلى الحكومة وكيف خرج ؟ ماهي حدود مسؤولية الآخرين في ما جرى من اخفاق؟ وماهي حدود مسؤولية الذات فيما جرى من نكبة ؟.
- إشهار -