هل يغفل مشروع المسطرة الجنائية حق الضحايا؟

وجه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ملاحظات لاذعة بشأن مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبرا أن النص الجديد لا يرقى إلى مستوى حماية ضحايا الجرائم بالشكل المطلوب، ويغفل وضع آليات عملية لتعويضهم أو دعمهم خلال فترة التعافي.
وفي رأي مفصل له، نبّه المجلس إلى أن المقترحات المتضمنة في المشروع تفتقر لرؤية شمولية تجاه فئات الضحايا، خصوصا أن التدابير الحالية تركز على النساء والأطفال دون غيرهم، من خلال آليات مثل خلايا التكفل داخل المحاكم ومكاتب المساعدة الاجتماعية، في وقت لا تتوفر فيه هذه الهياكل على الإمكانيات البشرية واللوجستية الكافية لتأدية مهامها بفعالية.
ورأى المجلس أن دعم الضحايا لا يجب أن يقتصر على الجانب القانوني فحسب، بل ينبغي أن يشمل مواكبة طبية ونفسية ومادية، مستغربا خلو المشروع من أي تصور لتعويض المصابين من جرّاء الجرائم عن تكاليف العلاج أو فقدان الدخل، كما هو معمول به في عدد من الدول المتقدمة التي توفر صناديق مستقلة لتعويض الضحايا.
وفي هذا الصدد، دعا المجلس إلى التفكير في اعتماد آليات مشابهة، تُموّل من ميزانية الدولة أو من مصادر خاصة، لتمكين الضحايا من تجاوز تداعيات الجريمة، بعيدا عن تعقيدات المساطر القضائية الطويلة والمعقدة.
من جانب آخر، سلّط المجلس الضوء على الإشكالات المرتبطة بعقل الأملاك في إطار التحقيقات الجنائية، خصوصا في القضايا ذات الصلة بالملكية العقارية، حيث أكد المجلس أن تجميد ممتلكات قد تكون مصدر عيش لأفراد أو حاضنة لأنشطة اقتصادية، يُمكن أن تكون له تبعات اجتماعية واقتصادية خطيرة، حتى عندما لا تكون لهذه الممتلكات علاقة مباشرة بالجريمة.
- إشهار -
وأشار التقرير إلى أن مسطرة العقل، كما هي مقترحة، تُمكّن المحكمة من تجميد جميع ممتلكات المتهم طيلة مراحل المحاكمة، بما فيها الأملاك المنقولة وغير المنقولة، دون ضمانات كافية تحمي مصالح العاملين أو الشركاء المتضررين من التجميد.
وعلى الرغم من تعديل بعض جوانب هذا الإجراء في مشروع القانون الجديد، فإن المجلس رأى أن النص لا يقدم أي حلول للحفاظ على استمرارية المشاريع الاقتصادية المرتبطة بهذه الأملاك، ولا يضمن حقوق الأفراد المتأثرين بشكل غير مباشر من إجراءات الحجز.
واستنادا إلى التجارب المقارنة في دول مثل كندا وفرنسا والمملكة المتحدة، أوصى المجلس بإدراج نصوص قانونية تسمح بإبقاء الممتلكات قيد الاستغلال تحت إشراف إداري أو قضائي محايد، إلى حين البت النهائي في القضايا، وهو ما يضمن التوازن بين حماية العدالة وحماية الاقتصاد.
واختتم المجلس توصياته بالتأكيد على أهمية اعتماد منهجية تراعي مبدأ التناسب والضرورة في اتخاذ تدابير عقل الأملاك، مشددا على ضرورة وضع ضمانات إجرائية صارمة تحول دون المس بحقوق غير المعنيين مباشرة بالجريمة.