عريضة الطيارين تشعل الاحتجاجات وتوسع الشرخ الإسرائيلي


في واحدة من أعمق تجليات الشرخ الحادث في المجتمع الإسرائيلي، دحرج نحو ألف من الطيارين والعاملين في سلاح الجو إسرائيلي أكبر كرة نارية ضد استمرار الحرب وعدم إبرام اتفاق لاستعادة الأسرى الإسرائيليين.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    إذ نشر هؤلاء، وبينهم اثنان من قادة سلاح الجو سابقا -وهما الجنرالان دان حلوتس ونمرود شيفر- عريضة تطالب بإبرام اتفاق سريع لاستعادة الأسرى حتى لو كان ثمن ذلك إنهاء الحرب. وجاء الرد سريعا من جانب هيئة الأركان وقيادة سلاح الجو الإسرائيلي باعتبار العريضة تقويضا لشرعية استمرار الحرب وأمرا بتسريح كل من وقّع على العريضة وطرده من الخدمة. كما أعلنت رئاسة الحكومة أن هذه العريضة أشبه بانقلاب على الشرعية في إسرائيل.

    وسرعان ما امتد الحريق الواسع إلى أسلحة أخرى بينها المدرعات والطب والاستخبارات، وانتقل كذلك إلى المستوى الأكاديمي. ومن المتوقع أن يتراكم زخم هذه المبادرة التي تعني انتقال الضغط الشعبي ضد أداء حكومة نتنياهو إلى مستوى جديد بعد فشل التظاهرات المستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام للمطالبة باستعادة الأسرى، ولو مقابل وقف الحرب.

    أوقفوا القتال
    وجاء في العريضة -التي نشرت على نطاق واسع- بعد فشل كل الجهود لإحباط نشرها: “نحن، أفرادَ طواقم الطيران الاحتياطيين والمتقاعدين، نطالب بعودة المختطفين إلى ديارهم من دون تأخير، حتى لو كان ذلك على حساب وقف القتال فورا”. وأضافت: “في الوقت الحالي، تخدم الحرب -في الأساس- مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية. إن استمرار الحرب لا يُسهم في تحقيق أيٍّ من أهدافها المعلنة، وسيؤدي إلى مقتل رهائن وجنود من الجيش الإسرائيلي ومدنيين أبرياء، واستنزاف جنود الاحتياط”.

    وأضافت “كما ثبت في الماضي، فإن الاتفاق وحده هو الذي يمكن أن يعيد الرهائن سالمين، في حين أن الضغط العسكري يؤدي في الغالب إلى قتل الرهائن وتعريض جنودنا للخطر”.

    ودعت العريضة “جميع مواطني إسرائيل إلى التعبئة من أجل التحرك والمطالبة في كل مكان وبكل الطرق. أوقفوا القتال… أعيدوا جميع الرهائن- الآن! كل يوم يمر يجعل حياتهم في خطر. كل لحظة إضافية من التردد هي عار”.

    وتوضح وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رئيس الأركان الجنرال إيال زامير وقائد سلاح الجو تومر بار بذلا جهودا كبيرة خلال الأسبوع الفائت لمنع نشر هذه العريضة وعرائض أخرى يجري إعدادها في عديد من أفرع الجيش.

    وكانت قد تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة التهرب من الخدمة الاحتياطية لاعتبارات اقتصادية، لكن تزايدت أيضا مطالبات برفع الصوت ضد استمرار الخدمة الاحتياطية لأسباب سياسية.

    ومعروف أنه بسبب الحرب وصلت مدة التجنيد الاحتياطي عند البعض أكثر من 200 يوم في السنة، مما قاد إلى تدمير كثير من البيوت والشركات. وكذلك معارضة الائتلاف اليميني تمرير قانون التجنيد حتى لا يسري على الحريديم قادت إلى زيادة عبء الخدمة العسكرية على شرائح الملتزمين بهذه الخدمة.

    وبعد نشر العريضة في الصحف يوم الخميس، أكد الجيش الإسرائيلي أنها سياسية المحتوى وأن كل من وقع عليها لا يمكنه مواصلة الخدمة الفاعلة في الجيش و”الجلوس في قمرة القيادة أو غرفة التحكم والتشكيك في شرعية الأهداف”.

    وقال ناطقون بلسان الجيش إن العريضة “تقوض شرعية استمرار القتال في غزة،” وإن نشر العريضة يشكل تحديا لشرعية قيادة قائد القوات الجوية والقادة الآخرين في الجيش وسلاح الجو.

    وحاول الجيش التقليل من أهمية العريضة والقائمين عليها، فأعلن أن عددا قليلا من الموقعين على العريضة هم من الفاعلين في القوة الاحتياطية وأن معظمهم لم يعودوا فاعلين بسبب تقدمهم في السن. وتحدثت وسائل الإعلام عن أن نحو 90 من الموقعين من الفاعلين في الخدمة الاحتياطية في سلاح الجو.

    من المهم الإشارة إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يضم في صفوفه ليس فقط الطيارين، وإنما أيضا أفراد طواقم الخدمة الأرضية والملاحين الجويين والأرضيين، وكذلك طواقم الدفاع الجوي، ومن بينهم مشغلي بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات والصواريخ.

    - إشهار -

    وقالت القناة الـ12 إن من يعرف قوام سلاح الجو يعلم أن هذا القرار ضربة كبيرة لقوات ووحدات هذا السلاح، حتى وإن كان الحديث يدور عن أقل من 100 جندي وضابط فعليا؛ هذه الأعداد ليست يسيرة، فضلا عن أن تدريب مثل هؤلاء يستغرق سنوات ويكلف استثمارا هائلا.

    وفي مقابلة إذاعية مع أحد الموقعين على العريضة، وهو العقيد طيار (احتياط) نيري ياركوني، قال إنه لم تكن هناك نية لنشر العريضة والاكتفاء بتداولها في الأوساط الداخلية، لكن جرى تسريب العريضة واعتبارها رفضا أو تهديدا برفض الخدمة العسكرية. وهذا ما “لم يترك مكانا لأي خيار آخر سوى نشر الرسالة وإظهار أنه لم يكن ثمة تهديد بالرفض هنا”.

    وأوضح أن “كثيرا من الطيارين، وأنا واحد منهم، خدمت طيارا مقاتلا لمدة 35 عاما، معظمها في ظل حكومات كنت أعارض سياساتها وآراءها وتوجهاتها بشكل عام، وفي ظل هذه المعارضة، أعتقد أنه لم يخطر ببالي أو ببال أصدقائي عدم تنفيذ المهام”.

    وشدد على أن العريضة إعلان موقف بعد أن توصل الطيارون إلى نتيجة “مفادها أن الحرب في هذه اللحظة تخدم بشكل رئيسي مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية”.

    واعتبر المراسل العسكري لصحيفة معاريف، آفي شكنازي، أن قائد سلاح الجو الجنرال تومر بار “ارتكب خطأ عندما وقع في الفخ من دون أن يتمكن من تفكيك الكمين الذي نصب له بذكاء. ويمكن القول إن الجنرال بار لم يعد إلى قاعدته سالما”. وفي نظره، فإن العريضة المثيرة الجدل ليست رسالة رفض خدمة.

    العريضة تحمل في طياتها نكهة سياسية قوية، وكان من الحكمة عدم إطلاق توصيفات عليها وعلى أفراد القوات الجوية أو الطيارين.

    فالعريضة “تعبر عن رأي مشروع وعادل. الرسالة تذهب إلى اللون الرمادي القوي”. ولاحظ أن “الجنرال بار أخطأ في طريقة تعامله مع القضية. واستسلم للروح التي تسيطر على الجيش الإسرائيلي. إنها الروح نفسها التي حولت الشرطة إلى هيئة سياسية للدولة”. ورأى أن موقف الجيش وسلاح الجو من العريضة يقدم أفضل هدية لنتنياهو بعد فشله في واشنطن.

    وبعد الحملة الرسمية عليهم، قال متحدث باسم الموقعين على العريضة جاي فورن -في مؤتمر صحفي- إن العريضة “تعرضت لكثير من التحريفات والتشويه، ورأينا أنه من الصواب تصحيح الأمور. فالمسألة ليست سلاح الجو، بل إن القضية التي كُتبت الرسالة من أجلها -والتي ينبغي التركيز عليها- هي وجود 59 رهينة حاليا كان من المفترض إطلاق سراحهم منذ زمن، ونحن، مثل الغالبية العظمى من الناس، نعتقد أنه تجب إعادتهم الآن. كل هذه الفوضى التي ستُسببها هذه الرسالة لسلاح الجو، الذي نعتز به ونحبه كثيرا، ثمن باهظ؛ ولكنه يستحق العناء إذا تسبب في إثارة هذه القضية”.

    وأضاف العقيد احتياط أوري أراد، وهو أسير حرب من حرب يوم الغفران: “في ليلة عيد الفصح، وبينما نحاول الاحتفال، فإن ألون أوهيل، وتامير نمرودي، وماتان أنجريست، وماتان تسينغاوكر، و20 آخرين من إخوتنا سيستمرون في التعفن في الأنفاق، من دون هواء”، مضيفا أن “هذا شيء لا يطاق بالنسبة إلينا”، وتابع أنه كان في الأسر، لكن ظروف أسر هؤلاء في غزة أصعب بكثير وأن التخلي عنهم حاليا “أسوأ بكثير، لأنه يُمارس الآن عمدا لأسباب سياسية.

    كانت نقطة التحول قبل شهرين، عندما انتهك نتنياهو بشكل صارخ خطة كان بإمكانه بموجبها إعادة جميع المختطفين. عند هذه النقطة الحاسمة، فضل نتنياهو نجاته الشخصية على المختطفين الذين اختار التخلي عنهم حتى الموت، لا أقل من ذلك. لقد انتظرنا عاما ونصف العام، ونعتقد أن هذا أكثر من كافٍ. إذا لم يكن هناك ضغط شعبي هائل، فلن يحدث شيء”.

    المصدر: الجزيرة

    أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد