بوعشرين يكتب.. بوحمرون السياسي

أمام عودة انتشار مرض فيروسي جد معدي وسريع الانتقال بوحمرون ( الحصبة ) وسط الأطفال، وعودة تهديد هذا الوباء لحياة آلاف الأطفال غير الملقحين ( اكثر من 30 ألف إصابة المعلن عنها إلى الآن وحوالي 120 وفاة ) لا بأس أن نطل على ما يوصي به العلم الطبي من مصادره الموثوقة مادامت ان وزارة الصحة قد تفاجأت كما تفاجأ الآباء والأمهات بانتشار بوحمرون وسط الأطفال.
وكاننا ما زلنا في سنوات الستينيات والسبعينيات حيث كان الجهاز التنفيذي لا يعرف شيء عن الصحة العامة وعن ارقام واحصائيات من أخذ اللقاح من الأطفال ومن لم يأخذ، ولماذا لم يلقح الآباء والأمهات أطفالهم ؟
إذا كانت وزارة الفلاحة لديها سجل مضبوط بقطيع المملكة من البقر والماعز والخرفان والجمال وحتى النعام… وتعرف خارطة تواجدهم، ومواعيد تلقيحهم، افلا يكون لدى وزارة الصحة سجل مضبوط حول صحة الأطفال ومواعيد تلقيحهم، ومن أخذ التلقيح ومن لم ياخذه ؟
ايعقل ان نتفاجأ بهذا الانتشار المقلق لمرض فيروسي يقتل ؟
ام ان البشر اصبح رخيصا في هذه البلاد إلى هذه الدرجة.
تقول النكتة السوداء ( سأل مواطن جزارا متى ينزل سعر اللحم الذي لم تعد أيادي الطبقة الوسطى تقترب منه فما بالك بالفقراء ؟ فرد الجزار : سينخفض سعر اللحم عندما ترتفع قيمة الإنسان في هذه البلاد )
لا تعليق الجزار قال كل شيء .
نحن لا نعيش في جزيرة معزولة، وعلينا بين الفينة والأخرى أن نرفع رؤوسنا من مظاهر التخلف التي تحيط بنا، وننظر بعيدًا، أبعد من أنف حكومة الكفاءات وشعار “نستاهلو أحسن” وسيرة وزير للصحة قادم من عالم (البزنس) ولم يسبق له ان قرأ صفحة واحدة من أي كتاب في الطب ولا في الصيدلة ولا حتى في السياسة .. .
وربما لم تطأ قدمه أي مستشفى عمومي قبل ان يختاره صديقه ومشغله لدخول الحكومة عوضا عن بروفسور مبرز في الطب لا نعرف لماذا جرى الاستغناء عنه !
- إشهار -
في دراسة علمية تعود إلى خمس سنوات (2019) صادرة عن جامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins University)، الواقعة في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند، والتي تأسست سنة 1876 وتعتبر من أعرق الجامعات البحثية في مجال الطب والصحة العامة، حددت الدراسة معايير الأمن الصحي في أي مجتمع في أربع نقاط رئيسية:
- الوقاية Prévention : وهي خير من العلاج في كل الثقافات.
- الرصد والمتابعة ( &/ Monitoring Détection): لا بد من مؤشرات وأدوات ومراصد لتتبع الأمراض والفيروسات، وألا نترك للمرض فرصة مداهمتنا على غفلة، لأن ذلك يجعله متقدمًا على الطب بخطوة، وربما بخطوات.
3. الإشعار Notificatin & communication : لا بد من إخبار جميع الفرقاء في العملية الصحية، من مرضى وعائلات ومستشفيات وسلطات عمومية ومختبرات وصيدليات. فالإعلام هنا ضروري ليس فقط لمحاصرة المرض أو الفيروس، بل كذلك لمحاصرة الإشاعات التي تصاحب حالة الخوف في المجتمع، وتحول هذا الخوف إلى فوبيا، قد تصبح أخطر من المرض ذاته.
- منظومة علاجية قوية وكافية وصلبة وفق المعايير الدولية Robust and sufficient healthcare System : وهذه المعايير نفسها تتبع بروتوكولات محددة، تشمل عدد الأطباء والممرضين، وعدد الأسرّة في المستشفيات، والسرعة في ملاحقة الأمراض، وطرق التصرف، وغيرها.
في بلد لا تزال الصحة فيه مريضة، هناك اليوم محاولة لتسليع هذه الخدمة خارج كل المعايير الأخلاقية والمهنية والإنسانية . ومن يريد أن يعرف أكثر، فليدقق في السيرة الذاتية (CV) لوزير الصحة الجديد، أمين التهراوي، القادم من قطاع المال والأعمال، وليطلع كذلك على أسهم شركة صاعدة في مجال الصحة في البورصة وفي المصحات المزروعة كالفطر في كل أنحاء المغرب بمليارات الدراهم !
ولنا عودة إلى هذا الموضوع بحقائق صادمة في حلقات مقبلة من بودكاست “كلام في السياسة”، حيث سنناقش أيضًا الصحة، والتعليم، والبطالة، والوعي المغربي بما يحيط به من فيروسات مرئية وغير مرئية ودخان وضباب يعمي البصر والبصيرة .
والحقيقة من وراء القصد، ولا حول ولا قوة إلا بالله…