“المادة 3 من المسطرة المدنية”.. البرلمان أمام اختبار صعب
سيجد البرلمان نفسه، مباشرة بعد استئناف أشغاله خلال الدورة المقبلة، أمام اختبار صعب وكبير، ستكون له تبعات مهمة على واقع ومستقبل محاربة الفساد في المغرب، خصوصا إذا نظرنا إلى عدد المتابعة الكبيرة التي وجد عدد من نواب الأمة نفسهم في مواجهتها، حيث قارب عدد المتابعين خلال الولاية الحالية الثمانين (من أصل 395 بمجلس النواب وحده) منهم حوالي 33 يوجدون رهن الاعتقال.
ويعتقد جزء كبير من متتبعي الشأن العام أن عددا غير يسير من المنتمين للنخبة السياسية في البلاد فاسد، الأمر الذي تزكيه تصريحات بعض الأحزاب السياسية ومن ضمنها حزب العدالة والتنمية ومكونات اليسار من اشتراكي موحد وفدرالية اليسار الديمقراطي، الممثلان في البرلمان، بالإضافة لحزب النهج الديمقراطي المقاطع للعملية الانتخابية.
وفي وقت سابق من بداية السنة الجارية، دعا الملك محمد السادس، إلى “تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم”، حسب نص رسالة كان قد تلاها رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، نيابة عنه، يوم الأربعاء 17 يناير 2024.
ومباشرة بعد مصادقة مجلس الحكومة على مشروع قانون المسطرة المدنية، يوم أمس الخميس 29 غشت الجاري، طفا إلى السطح سؤال “هل تحاول الحكومة الحالية، وفي مقدمتها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، حماية المنتخبين الفاسدين، من خلال تضمين المشروع للمادة 3 التي اثارت ولازالت الكثير من الجدل والنقاش؟”.
وبالعودة إلى نص المشروع فإن هذه المادة تحصر الجهات المخول لها المطالبة بإجراء أبحاث قضائية بشأن جرائم المال العام في المؤسسات الرسمية للدولة، وتمنع المجتمع المدني من التقدم بشكايات بهذا الخصوص، وفي مقدمته الجمعيات التي تشتغل في هذا المجال.
ويرى المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي أن “المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية تجعل رئيس النيابة العامة تحت سلطة جهات إدارية ومؤسسات للحكامة، اذ أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة لا يمكنه تحريك الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية إلا بناء على احالة من الجهات المذكورة في المادة (المجلس الأعلى للحسابات، المفتشيات العامة التابعة للوزارات، الادارات، الهيئة الوطنية للنزاهة)”، معتبرا أنه “مادة تشكل تعديا جسيما وتدخلا سافرا في السلطة القضائية وسلب اختصاص أصيل للنيابة العامة والتي ستصبح تحت سلطة ورقابة هذه الجهات”.
وتساءل الغلوسي، ضمن تدوينة على صفحته الخاصة، “ترى ماذا ستفعل هذه الجهات إذا كانت هي نفسها المتورطة في أفعال الفساد واختلاس وتبديد المال العام؟، وماذا سيفعل رئيس النيابة العامة إذا تسترت هذه الإدارات والمؤسسات على أفعال تكتسي مخالفة للقانون الجنائي تورط فيها مسؤولوها الكبار (اختلاس وتبديد أموال عمومية !!) “.
وقال الغلوسي: “لسخرية القدر فإن البرلمانيين المتابعين قضائيًا هم نفسهم من سيصوت لفائدة هذه المادة وهم من سيعبئ الفرق البرلمانية وسيتحركون بقوة، هم ومن يساندهم، من أجل تمرير هذه المادة، ويبدو أنهم حصلوا على الضوء الأخضر لتمريرها”.
وزاد، “نتمنى من كل المؤسسات والفاعلين والرأي العام وكل القوى الحية ان تنتبه لخطورة هذا التوجه وأن تتصدى له لأنه يشكل في عمقه تحصينا للفساد والريع وتعميقا له في الحياة العامة وتقويضا لإلتزامات المغرب الدولية والوطنية”.
وكان وزير العدل قد اعتبر، خلال تدخل بمجلس النواب في أبريل 2022، أن مسألة السماح للجمعيات الحقوقية الناشطة في مجال حماية المال العام والشفافية برفع شكايات على منتخبين بشبهة الفساد، خلق إشكالا وجب تجاوزه، كون أنه لا يعقل أن هيئة لا تربطها أي صلة بالمشتكي عليه تقوم بهذا الأمر، في ظل وجود جهات مختصة، وتحديدا وزارة الداخلية، والمجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية.
وأضاف الوزير، ما أن يأتي منتخب جديد حتى ترفع هذه الجمعيات شكاية عليه كتصفية للحسابات أو ما شابه ذلك أحيانا، وهو ما يؤثر في العمل السياسي وجودته، إذ لا يعقل أن يستمر رئيس جماعة ما في التقاضي بالمحاكم لمدة سنتين من ولايته، ويؤدي في الوقت ذاته مهامه بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أنه مع الوقت لن نجد من يترشح للانتخابات.
وتفاعلا مع توجه الوزير لمنع جمعيات حماية المال العام من مقاضاة المنتخبين وموظفي الدولة في شأن شبهات اختلاس المال العام، قال القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، ضمن تصريح إعلامي، إن “هذه الحكومة المشبوهة لا يمكنها أن تفوت فرصة تشريع ما، وبخاصة مشروع المسطرة الجنائية، دون تحصين كائناتها وتفخيخ المشروع لكل غاية تحصينية في المستقبل”.