فيلم “الحركى”.. نبش سينمائي في مرحلة دامية من التاريخ الفرنسي الجزائري


عرض أول أمس 19 ماي الجاري، في مهرجان “كان” ضمن مسابقة “أسبوع المخرجين” الموازي للمسابقة الرسمية فيلم “الحركى” للمخرج الفرنسي فيليب فوكون المولود في مدينة وجدة على الحدود المغربية الجزائرية.

ويتناول الفيلم مرحلة صعبة في التاريخ الفرنسي الجزائري. وبهذه العودة لم يكن يريد المخرج فتح جرح كبير لفترة دامية، بقدر ما حاول حسب قوله، عرض وجهة نظر في قالب فني، قد يزكيها البعض ويعارضها البعض الآخر.

المخرج عموما يطرح رؤيته للموضوع، بطريقة قد تلقى انتقادات من المتلقي، أوقد تنسجم مع فهمه للإشكالية المعروضة عبر الفيلم، لكن ما يلح عليه المهتمون بالشأن السينمائي في مثل هذه الحالات، هو الجانب الفني في العمل وإن كان صاحبه قد تناوله باحترافية عالية.

واختار المخرج النبش سينمائيا في جزء من التاريخ الجزائري الفرنسي، رغم أن الموضوع لا يزال ملتهبا بعد مرور عشرات السنوات عليه. وقد يتجنب بعض السينمائيين الخوض فيه، لكن فيليب فوكو من المخرجين الذين يشهد لهم بامتلاكهم كافة الأدوات الفنية لمعالجة مثل هذه الأسئلة على الشاشة الكبرى.

انطلاقا من اللحظات الأولى للفيلم يصدم المخرج الجمهور بمشهد دموي، تهتز له دواخل المتلقي. أولا لإظهار مدى بشاعة الحرب، وثانيا ربما لتحضيره بصريا ونفسيا لما ينتظره من مشاهد قاسية في بقية أطوار هذا العمل.

يظهر في بدايات الفيلم رجل مسن يصل إلى باب منزله المتواضع بإحدى البوادي الجزائرية، فيجد أمامه سلة، اكتشف بداخلها رأس ابنه الذي فصل عن جسده، ليأخذها مصدوما ويهرع إلى وسط البيت ناحبا “ابني ابني…”، وهو ما صدم الأم كذلك التي دخلت في عويل، لا نهاية له، وهي تصرخ “ابني ابني ابني…” في مشهد مأساوي ضارب في الحزن.

وعلى وقع هذا المشهد القاسي سافر فيليب فوكون بالجمهور إلى أدغال الفيلم. ليحكي قصة شبان جزائريين في إحدى البوادي، بمسارات مختلفة، دفعت بهم ظروف متعددة إلى صفوف الجيش الفرنسي لمحاربة إخوانهم الذين كانوا يقاتلون الاستعمار من أجل الاستقلال. وكانت أول هذه الظروف هي الحاجة وضيق العيش.

- إشهار -

الممثل الجزائري محمد أمين موفق أدى دور صالح الذي دفعت به ظروف المعيشة تحديدا لحمل السلاح إلى جانب المستعمر، ولم يندم يوما على ذلك، لكن اقتراب موعد انتهاء الاستعمار حول حياته اليومية، على غرار زملائه من أبناء جلدته المجندين في القوات الفرنسية، إلى مساحات من التيه الذاتي غير المتناهي، بسبب قلقهم جميعا على مستقبلهم في حال الانسحاب الفرنسي من الأراضي الجزائرية.

خدمة الاستعمار

في نهايات الخمسينيات، حمل صالح، قدور، أحمد وآخرون السلاح في الكتيبة 534 التي يتزعمها القائد العسكري الفرنسي باسكال وهو الممثل ثيو شولبي. واستطاعت المجموعة أن تخلق فيما بين عناصرها جوا عائليا لربما كان يعوضهم ما افتقدوه من دفء أسري، بسبب عملهم العسكري في الجبال بعيدا عن عائلاتهم واحتياطاتهم من الاحتكاك مع الأهالي خشية تعرضهم لأي انتقام.

لكن مع بداية ستينيات القرن الماضي، وجد هؤلاء المجندون أنفسهم في خطر حقيقي، بعد أن دخلت فرنسا في مفاوضات مع “جبهة التحرير الوطني”، توجت بتوقيع وقف لإطلاق النار، ما كان يعني اقتراب موعد انسحاب القوات الفرنسية من بلادهم، فيما سؤال مصيرهم بعد ذلك ظل إلى حد ما معلقا؟ بينما كان التهديد يطاردهم من كل جانب، لا سيما وأن “كل أبناء الدوار يعرفون من يخدم الجيش الفرنسي” كما تقول زوجة صالح في الفيلم.

وسيزداد حجم هذا القلق والخوف مع استقلال الجزائر وتجريد الكتيبة من أسلحتها بطريقة ملتوية أمام رفض رئيسها باسكال، الذي نسج مع عناصرها علاقة خاصة، ورفض كليا التخلي عنهم. لكن القرارات التي تخصهم كانت أقوى منه، ولم يكن في موقع المسؤول القادر على تغيير مجرى الأمور. وفي كل مرة كان يؤكد لهم أنه سيحاول القيام بجهود لصالح وضعيتهم. ورغم الوعود التي أعطيت لهؤلاء لدعمهم ماديا، لم يتحمسوا لها  بل رفضوها، لأن همهم جميعا كان هو الفرار.

وتفيد أرقام أنه قتل ما بين 35 ألف حتى 80 ألفا من أفراد الحركى وأسرهم، وتم إجلاء 90 ألف آخرين إلى مخيمات في فرنسا بدءا من نهاية الحرب حتى 1972.

 

 

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد