“ربط الأجرة بالتلقيح”.. جدل قانوني يُواجهه الإصرار الحكومي (حوار)


بديل.أنفو-

يتواصل الجدل والنّقاش القانوني، حول توجه الحكومة نحو فرض “جواز التلقيح” على الموظفين، قصد دخول الإدارات والمؤسسات العمومية، وحول وعيدها بالاقتطاع من رواتب الموظفين في حال امتناعهم عن استكمال عملية التلقيح بتلقي الجرعة المعززة.

وحول التناقض بين الإعلان عن “اختيارية” التلقيح، واتخاذ إجراءات ترمي إلى “إجبار” المواطنين على تلقيه، حاور موقع “بديل”، سعيد معاش، محامي بهيئة الدار البيضاء، لمقاربة الموضوع من الناحية القانونية.

وتطرق المحامي سعيد معاش، ضمن هذا الحوار، إلى كل الإشكالات الحقوقية التي تُثار في هذه القضية، التي تُعتبر الأولى من نوعها في المغرب، كما رصد الحقوق المشروعة التي تقف عليها الحكومة في معالجتها لمسألة تعميم التلقيح، وكذا التجاوزات التي ارتكبتها في هذا الإطار.

وهذا نص الحوار كاملا:

تتجه الحكومة نحو إلزام الموظفين بالإدلاء بجواز التلقيح أو شهادة الإعفاء من التلقيح قبل الولوج إلى مقرات العمل، كما هددتهم بالإقتطاع من الرواتب في حالة عدم أخذ الجرعة المعززة، هل يمكن قانونيا تفعيل هذا القرار؟

أولا يجب أن لا ننسى أن المغرب مازال يعيش في إطار حالة الطوارئ الصحية التي تم الإعلان عنها بتاريخ 24 مارس 2020، مع ما تعنيه حالة الطوارئ من فرض لأحكام عرفية أو استثنائية بموجب قوانين مؤقتة تسحب في الكثير من الأحيان من السلطات التشريعية صلاحياتها وتسندها إلى السلطات التنفيذية.

وبعض هاته القوانين التي تم اعتمادها في مرسوم إعلان حالة الطوارئ، قديم جدا، مثل المرسوم الملكي رقم 554.65 الصادر بتاريخ 26 يونيو 1967 بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء عليها .

إذن القرار الحكومي المتعلق بفرض جواز التلقيح في المؤسسات العمومية وعلى الموظفين والإجراءات التي تكون قد قامت بها الحكومة من اقتطاعات الموظفين يدخل ضمن هذا الإطار وضمن الاختصاصات الاستثنائية للحكومة في حالة الطوارئ، حيث أنه بالرجوع إلى المادة الثالثة من المرسوم رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية والإعلان عنها، نجدها تمنح الحكومة -وعلى الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل- اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية .

هل القرار قانوني؟ هل هو سليم من الناحية السياسية؟ هل يحمل مساسا بالحقوق والحريات؟ هل فيه مساسا بالدستور؟ كلها أسئلة مشروعة.

كيف تفسرون القول بـ”اختيارية التلقيح” من جهة، وفرضه من جهة ثانية (التلقيح مقابل الأجر)، هل ترى في ذلك تناقضا؟

- إشهار -

بالطبع اليوم هناك تناقض مابين الإعلان عن اختيارية التلقيح من جهة، واتخاذ اجراءات تجبر عليه. يمكن القول بأن هذا الأمر فيه مخالفة للمبادئ الدستورية والحقوقية، كما أن الاقتطاع من أجور غير الملقحين يُخالف القوانين المؤطرة للوظيفة العمومية.

هل من حق الإدارة قانونيا فرض هذا الإجراء؟ هل تبيح حالة الطوارئ ذلك ايضا

نعلم جميعا أن منع الموظف من الولوج إلى مقر العمل يدخل في إطار العقوبات الإدارية والتي يبقى الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية هو المؤطر لها والذي ينص على أنه “تشتمل العقوبات التأديبية المطبقة على الموظفين على ما يأتي، وهي مرتبة حسب تزايد الخطورة: 1 – الانذار. 2 – التوبيخ. 3 – الحذف من لائحة الترقي. 4 – الانحدار من الطبقة. 5 – القهقرة من الرتبة. 6 – العزل من غير توقيف حق التقاعد. 7 – العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد”.

وهناك عقوبتان تكتسيان صبغة خصوصية، هما الحرمان المؤقت من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية، وذلك لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، والإحالة الحتمية على التقاعد، ولا يمكن إصدار العقوبة الأخيرة إلا إذا كان الموظف مستوفيا للشروط المقررة في تشريع التقاعد.

ويقع الإنذار والتوبيخ بمقرر معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب من غير استشارة المجلس التأديبي، ولكن بعد استدلاء بيانات المعني بالأمر.

أما العقوبات الأخرى، فتتخذ بعد استشارة المجلس التأديبي الذي تحال عليه القضية من طرف السلطة التي لها حق التأديب، وذلك بتقرير كتابي يتضمن بوضوح الأعمال التي يعاقب عليها الموظف، وإن اقتضى الحال الظروف التي ارتكبت فيها.

هل يمكن اعتبار الموظفين الذين مُنعوا من ولوج الإدارة، بسبب عدم تلقيهم اللقاح بـ”المنقطعين عن العمل”؟

من الناحية القانونية دائما لا يُمكن اعتبار الموظفين الذين منعوا من ولوج الإدارة بسبب عدم تلقيهم اللقاح في حالة تعمد بـ “الانقطاع عن العمل”، مادام أن مقتضيات المادة 75 مكرر من قانون الوظيفة العمومية تنص على أنه “باستثناء حالات التغيب المبررة قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد الانقطاع عن عمله، يعتبر في حالة ترك الوظيفة، وهنا لايمكن تفسير هذا الفصل في غير مصلحة الموظف وتحميله مالا يحتمل .

أخيرا يجب الإقرار أن إعلان حالة الطوارئ سواء الصحية أو الأمنية غالبا مايمس بالحريات، وهو أمر يجيزه القانون الدولي نفسه بشروط وفي حدود معينة .

كما أن قيام الحكومة بإصدار قرارات متعلقة بحالة الطوارئ الصحية لا يعني بالضرورة أن هاته القرارات صحيحة وسليمة رغم قانونيتها من الناحية الشكلية، وهنا دور المجتمع المدني والحقوقي للتدخل لتصحيح المعوج منها ولمنع أي تجاوز ولو باسم القانون، ويبقى الطريق الأفضل هو سن إجراءات تحفيزية وتشجيع الحوار بين مختلف الفرقاء واتباع الحكومة لسياسة تواصلية فعالة وإيجابية لتجاوز تداعيات هذا الوباء دون أن ننسى دور البرلمان بغرفتيه الذي يجب أن يعبر عن نبض مختلف شرائح المواطنين والقيام بدوره الرقابي والتشريعي على الشكل الأمثل .

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد