تغيّر بوصلة القيم في العالم..


بعد أن كانت الديمقراطية أم القيم السياسية وتستقطب أهم التوجهات الفكرية لدى أصحاب الفكر وصانعي الإعلام وموجهي السياسات، استطاع دونالد ترامب الناشئ من تجارة العقارات وعالم المقامرة تغيير نبرة النداءات الصاعدة، عبر أربع سنوات جاهَرَ فيها بالعداء للمهاجرين، وبتفضيل المصالح المادية والاقتصادية على حساب الإنسانية والدبلوماسية العالمية التي تحاول أن تحافظ عليها ولو اسمياً ان لم تكن شكلياً، واستطاع أن يطلق الأصوات المكبوتة لدى العنصريين، ومحبي المال والشهوات وتفضيل الأثرياء وسحق الفقراء والضعفاء كل ذلك علناً…

وأصبحنا نفهم أكثر لِمَ يتبع الكثير من الناس الدكتاتوريين ويؤيدونهم، حتى وإن كانوا من الفقراء أو الضعفاء، إنها النزعة البشرية التي كانت منبوذة ومكبوتة وخافتة خجولة، أمام عظمة الديمقراطية ومثلها، الآن أصبحت الديمقراطية في مفهوم هؤلاء هي كبت للحريات، وكبت للتعبير، وبدأت تتوسع دوائر الجماعات المناصرة للنزعات المنبوذة سابقاً، فنلاحظ أنه حول العالم هناك من يعتبر إسكات ترامب العنصري سحقاً لحرية التعبير، حتى من الدول التي تفتقر إلى الحريات والديمقراطية، ونسمع آراء من يعتقدون أن المشاغبين والذين يمارسون العنف لهم حق في ذلك، وخُلطت المفاهيم بين من يصارعون لأجل الديمقراطية وبين من يصارعون لسحق الديمقراطية، المشكلة الآن أن الدائرة الثانية توسعت، والدائرة الأولى اختنقت غضباً، والفجوة بين أصحاب النظرتين باتت شاهقة، هناك من يؤيد الدكتاتوريين علناً وتماماً كما كان يفعل النازيين، عدنا الى الوراء لعشرات وربما مئات من السنين، وربما قد نسمع من يؤيد العبودية من جديد…

لماذا يؤيد هؤلاء الضعفاء الديكتاتورية رغم ضعفهم؟

لأنهم يرون في الديكتاتورية قوة يفتقرون لها في واقعهم فيعتقدون أن انتماءهم لتلك القوة يكسبهم القوة التي يريدونها، وإن كانت وهماً، يرفعون صوتاً يعتقدون به انهم سيخيفون من حولهم ويتمسكون بالديكتاتور الأقوى ليحتموا وراء منصته، في عالم شابته الكثير من الشوائب عبر حقب من السنين لم تتحقق فيها الديمقراطية في كثير من البلدان، وأثبتت عجزها أمام سلطة الأقوياء الذين استحكموا منها ومن شعوبها عبر عقود إن لم تكن أكثر…

- إشهار -

انتصار الديمقراطية في أمريكا يسبب خوفاً ليس فقط للحكام المتسلطين حول العالم، بل أيضا للشعوب المسكينة التي لم تستطع بأي حال من الأحوال أن تحقق ديمقراطية ما، وتصنعها على مقاسها، وسط تداخلات الديانات مع السياسة، وتداخلات المال مع السلطة، وتداخلات السلاح الموجه ضد الشعوب (إذا تجرأت وحاولت) مع أصوات المحتجين الذين يجدون أنفسهم وسط كل هذا مدفوعين للعنف بيأس…

أما انتصار الديكتاتورية أو علو صوتها يجعل لهم عزاءً في أنفسهم كشعوب (حتى في أمريكا) موطن عظمة الديمقراطية فقد استطاع مستبد أتى من عالم المال أن يستقوي بالسلطة ووجد أتباعاً له وبعشرات الملايين…

لكن اليوم صوت القامعين سيعلو، فهناك تيار واسع في العالم يرى ترامب وأمثاله حليفاً له، ولم يعد يخجل بأن يخفي نزعته أو أن يتخلى عن دعمه للمساواة والديمقراطية ولو شكلياً ولو لفظياً أو كلاماً، فأصبح عصر تعرية الحقائق هو الأفضل لدى الكثيرين ممن يرون أن إخفاء عوراتها هو عورة!!

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد